للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشربه ما كان طريًّا، وقال ابن عمر: اشربه ما لَمْ يأخذه شيطانه، قيل له: ومتى يأخذه شيطانه؟ قال: في ثلاث. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال المازريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أجمعوا على أنَّ عصير العنب قبل أن يشتدّ حلال، وعلى أنَّه إذا اشتدّ، وغَلَي، وقذف بالزبد حَرُم قليله وكثيره، ثم لو حصل له تخلُّل بنفسه، حلّ بالإجماع أيضًا، فوقع النظر في تبدّل هذه الإحكام عند هذه المتخذات، فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض، ودلّ على أنَّ علة التحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أن كلّ شراب وُجد فيه الإسكار، حرم تناول قليله وكثيره. انتهى (٢).

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وما ذكره استنباطًا ثبت التصريح به في بعض طرق الخبر، فعند أبي داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان من حديث جابر - رَحِمَهُ اللهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، للنسائيّ من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مثله، وسنده إلى عمرو صحيح، ولأبي داود من حديث عائشة - رضي الله عنها -، مرفوعًا: "كلّ مسكر حرام، وما أسكر منه الفَرَق، فملء الكف منه حرام"، ولابن حبان، والطحاويّ، من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره".

وقد اعتَرَف الطحاوي بصحة هذه الأحاديث، لكن قال: اختلفوا في تأويل الحديث، فقال بعضهم: أراد به جنس ما يُسكر، وقال بعضهم: أراد به ما يقع السكر عنده، ويؤيده أن القاتل لا يسمى قاتلًا حتى يَقْتُل، قال: ويدلّ له حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - رفعه: "حُرّمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كلّ شراب". انتهى.

وهذا الحديث أخرجه النسائيّ، ورجاله ثقات، إلَّا أنه اختُلف في وصله وافي عمه، وفي رفعه ووقفه، وعلى تقدير صحته فقد رجح الإمام أحمد وغيره، أن الرواية فيه بلفظ: "والمسكر" - بضم الميم، وسكون السين - لا "السكر" - بضم، ثم سكون، أو بفتحتين - وعلى تقدير ثبوتها، فهو حديث فَرْد، ولفظه


(١) "الاستذكار" ٨/ ١٢.
(٢) "المعلم بفوائد صحيح مسلم" للمازريّ - رَحِمَهُ اللهُ - ٣/ ٦٢.