للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُحْتَمِل، فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث، مع صحتها وكثرتها؟.

وجاء عن عليّ عند الدارقطنيّ، وعن ابن عمر عند ابن إسحاق، والطبرانيّ، وعن خَوّات بن جبير، عند الدارقطنيّ، والحاكم، والطبرانيّ، وعن زيد بن ثابت، عند الطبرانيّ، وفي أسانيدها مقال، لكنها تزيد الأحاديث التي قبلها قوّة وشهرةً.

قال أبو المظفر ابن السمعانيّ: وكان حنفيًّا، فتحوّل شافعيًّا: ثبتت الأخبار عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في تحريم المسكر، ثم ساق كثيرًا منها، ثم قال: والأخبار في ذلك كثيرة، ولا مساغ لأحد في العدول عنها، والقول بخلافها، فإنها حُجج قواطع، قال: وقد زَلَّ الكوفيون في هذا الباب، ورووا أخبارًا معلولةً، لا تُعارض هذه الأخبار بحال، ومن ظنَّ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِب مسكرًا، فقد دخل في أمر عظيم، وباء بإثم كبير، وإنما الذي شَرِبه كان حلوًا، ولم يكن مسكرًا.

وقد رَوَى ثمامة بن حزن القشيريّ، أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - عن النبيذ؟ فدعت جارية حبشية، فقالت: سل هذه، فإنها كانت تنبذ لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت الحبشية: كنت أَنْبِذ له في سقاء من الليل، وأوكؤه، وأعلّقه، فإذا أصبح شرب منه، أخرجه مسلم، وروى الحسن البصريّ، عن أمه، عن عائشة - رضي الله عنها - نحوه.

ثم قال: فقياس النبيذ على الخمر بعلّة الإسكار، والاضطراب من أَجَلِّ الأقيسة، وأوضحِها، والمفاسدُ التي توجد في الخمر توجد في النبيذ، ومن ذلك أن علة الإسكار في الخمر؛ لكون قليله يدعو إلى كثيره موجودة في النبيذ؛ لأنَّ السكر مطلوب على العموم، والنبيذ عندهم عند عدم الخمر يقوم مقام الخمر؛ لأنَّ حصول الفرح والطرب موجود في كلّ منهما، وإن كان في النبيذ غِلَظ وكدرة، وفي الخمر رقّة وصفاء، لكن الطبع يَحْتَمِل ذلك في النبيذ؛ لحصول السكر كما تُحْتَمَل المرارة في الخمر؛ لِطَلَب السكر، قال: وعلى الجملة فالنصوص المصرحة بتحريم كلّ مسكر، قلّ أو كثر، مُغْنِيَة عن القياس، والله تعالى أعلم.

وقد قال عبد الله بن المبارك: لا يصح في حلّ النبيذ الذي يُسكر كثيره