للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (وَيَسِّرَا، وَلَا تُعَسِّرَا") قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما جمع في هذه الألفاظ، بين الشيء وضدّه؛ لأنَّ الأمر يصدق بمرّة، أو مرات، مع فِعل ضدّه في سائر الحالات، والنهي ينفي الفعل في جميع الأحوال، وهو المطلوب. انتهى.

وقال المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "يسّرا" بفتح، فتشديد؛ أي: خذا بما فيه التيسير على الناس بذِكْر ما يؤلِّفهم لقبول المواعظ في جميع الأيام؛ لئلا يثقل لجهم، فينفُروا، وذلك لأنَّ التيسير في التعليم يورث قبول الطاعة، ويرغِّب في العبادة، ويَسْهُل به العلم والعمل.

وقوله: "ولا تعسّرا": لا تشددا، أردفه بنفي التعسير مع أن الأمر بالشيء نهي عن ضده؛ تصريحًا بما لزم ضمنًا للتأكيد، ذكره الكرمانيّ، قال: وأَولى منه قول جَمْعٍ: عَقَّبه به؛ إيذانًا بأن مراده نفي التعسير رأسًا، ولو اقتصر على يَسِّرَا لَصَدَق على كلّ من يسَّر مرةً، وعَسَّر كثيرًا كذا قرره أئمة هذا الشأن، ومنهم النوويّ وغيره، وبه يُعرَف أن لا حاجة لِمَا تكلَّفه المولى ابن الكمال حيث قال: أراد بالتعسير التهيئة، كخبر: "كلٌّ ميسرٌ لِمَا خُلِق له فلا يكون قوله: "ولا تعسرا" تأكيدًا، بل تأسيسًا.

وأنت خبير بأنه مع عدم دعاء الحاجة إليه لا يلائمه السياق، بل ينافره. انتهى (١).

وقوله: (يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ) الأول بالبناء للمفعول، والثاني بالبناء للفاعل، وهذا لا ينافي ما في الرواية السابقة من قوله: "يُطبخ حتى يَعْقِد"؛ لإمكان أن يُصنع بالصناعتين، تارةً بالطبخ حتى يَعْقِد، وتارةً بالنبذ بلا طبخ، ويترك حتى يشتذ، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ)؛ أي: إيجاز اللفظ مع تناوله المعاني الكثيرة جدًّا، وقوله: (بِخَوَاتِمِهِ)؛ أي: كان يختم على المعاني الكثيرة التي تضمَّنها اللفظ اليسير، فلا يخرج منها شيء عن طالبه، ومستنبِطه؛ لعذوبة لفظه، وجزالته، قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).


(١) "فيض القدير" ٦/ ٤٦١ - ٤٦٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ١٧٠.