للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكن تعقّبه المحشّي، فقال: قوله مثلّثة الراء، الصواب إسقاطه، والاقتصار على ذكر المضارع المفيد كسر الراء، كما في حديث: "إن الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة"، ضبطه الرواةُ قاطبةً بكسر الراء، وكذلك ضبطه أهل الغريب. اهـ.

لكن أجاب الشارح عنه بأنه إذا كان المراد بالتثليث كونه من حدّ ضَرَبَ، وعَلِمَ، ونَصَرَ، فلا مانع، ولا يَرِدُ عليه أنه ليس في عينه، أو لامه حرف حلقيّ؛ لأن هذا إنما يُشتَرط فيما يكون من باب مَنَعَ، كما هو ظاهرٌ. انتهى (١).

قال الجامع: الذي يظهر لي أن ردّ المحشّي ضبط التثليث وجيهٌ؛ لأن المجد لم يعزُ التثليث إلى أحد من أهل اللغة، ولم يتعرّض أصحاب المعاجم، والغريب لذكره، ولم يأتِ الشارح في جوابه بما يُثبت نقله عن أهل اللغة، فكونه من باب ضرب هو الظاهر، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم.

وذكر في "اللسان" أن الأَرْزَ أن تَدخُل الحيّة جُحْرها على ذنبها، فآخرُ ما يَبْقَى منها رأسُها، فيدخُلُ بعدُ، قال: وكذلك الإسلامُ خرج من المدينة، فهو يَنْكُصُ إليها حتى يكون آخره نُكُوصًا كما كان أوّله خروجًا، وإنما تَأْرِزُ الحيّةُ على هذه الصفة إذا كانت خائفة، وإذا كانت آمنة، فهي تبدأ برأسها، فتُدخله، وهذا هو الانحجار. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ - رحمه الله - عند قوله: "ليأرِزُ إلى المدينة": أي: ينضمُّ، وينقبض، يقال: أَرَزَ يَأْرِزُ أَرْزًا، وأُرُوزًا، ومنه الأَرُوزُ للبخيل، سُمّي به؛ لأنه ينقبض إذا سُئل، والمَرْزَأُ: المَلْجَأُ أيضًا.

قيل: يحتمل أن يكون هذا إخبارًا منه - صلى الله عليه وسلم - عما كان في ابتداء الهجرة، ويحتمل أنه أخبر عن آخر الزمان حين يقلّ الإسلام، فينضمّ إلى المدينة، فيبقى فيها، شَبَّهَ الإيمانَ، وفرارَ الناس من آفات المخالفين، والتجائهم إلى المدينة،


(١) راجع: "القاموس المحيط"، وما كُتِب في هامشه ص ٤٥٢.
(٢) "لسان العرب" ٥/ ٣٠٥ - ٣٠٦.