للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بانضمام الحيّة في جحرها، ولعلّ هذه الدابّة أشدّ فرارًا، وانضمامًا من غيرها، فشَبَّهَ بها بمجرّد هذا المعنى، فإن المماثلة يكفي في اعتبارها بعض الأوصاف. انتهى (١).

(بَيْنَ الْمَسْجدَيْنِ) أي: مسجدي مكة والمدينة، قال القرطبيّ - رحمه الله -: وهو إشارة إلى أن مبدأ الإيمان كان بمكة، وظهوره بالمدينة. انتهى (٢). (كمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَما") بضمّ الجيم، وسكون الحاء المهملة، جمع جِحَرَةٌ، بكسر، ففتح، مثلُ عِنَبَة وعِنَب، وهو للحيّة، والضبّ، واليَربوع، يقال: انجحر الضبّ على انفعل: أوى إلى جُحْرِه، أفاده في "المصباح" (٣).

وقال المجد: الجُحْرُ بالضمّ: كلُّ شيء تَحتفره الهوامّ والسباع لأنفسها؛ كالجُحْران، جمعه جِحَرَةٌ، وأَجْحَارٌ. انتهى (٤).

والمعنى أنه كما تنتشر الحيّة من جُحرها في طلب ما تعيش به، فإذا راعها شيءٌ، رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر من المدينة حتى وصل إلى جميع أقطار الأرض، ثم في آخر الزمان يرجع إليها، وتكون معقله، كما كان في الأول، ويفرّ إليها كلّ مؤمن فرارًا من آفات المخالفين.

وقال في "الفتح": وكلّ مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة؛ لمحبّته في النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيشمل ذلك جميع الأزمنة؛ لأنه في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للتعلّم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين، وتابعيهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك للصلاة في مسجده، وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - (٥)، والتبرّك بمشاهدة آثاره، وآثار أصحابه.

وقال الداوديّ: كان هذا في حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والقرن الذي كان منهم، والذين يلونهم، والذين يلونهم خاصّةً. انتهى (٦). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٢٧.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٦٤.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٩١.
(٤) "القاموس المحيط" ص ٣٢٦.
(٥) كان في "الفتح": "ومن بعد ذلك لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم -، والصلاة في مسجده … " إلخ، وما هنا هو الموافق لحديث: "لا تُشدّ الرحال … " إلخ كما سبق بيانه، فتنبّه.
(٦) راجع: "الفتح" ٣/ ١١٢ "كتاب فضائل المدينة" رقم (١٨٧٦).