للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): أن في الحديث الثاني مدح المدينة النبويّة، أن الإيمان سيأرِز إليها آخرًا كما كانت موئلًا له أولًا؛ إذ كان في أوّل الإسلام كلّ من خَلُص إيمانه، وصحّ إسلامه أتى إليها إما مُهاجِرًا مستوطنًا لها، وإما متشوِّقًا لرؤية النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومتعلّمًا منه، ومتقرّبًا إلى الله تعالى بلقياه، ثم بعده هكذا في زمان الخلفاء، وأخذ سيرة العدل منهم، والاقتداء بجمهور الصحابة فيها، ثم بمن بعدهم من علمائها الذين كانوا سُرُج الوقت، وأئمة الهدى، وأخذ السنن المنتشرة بها عنهم، فكان كلّ ثابت الإيمان، ومنشرح الصدر به يرحل إليها، ويَفِدُ عليها، ثم بعدُ في كلّ وقت، وإلى زماننا هذا؛ للصلاة في مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حيث رغّب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في شدّ الرحال إليها، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدريّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى".

ثم لزيارة قبره الشريف (١)، زيارةً شرعيّة، لا بدعيّة.

ولرجاء الموت فيها، لعلّ الله تعالى يوفّقه لذلك؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رغّب في ذلك، فقد أخرج أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها"، وفي لفظ لأحمد: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها".

وبالجملة فقصدها على هذه النيّة الحسنة، والشوق الصادق، يدلّ على صدق إيمانه، وصحّة يقينه، والله تعالى أعلم بالصواب.

٥ - (ومنها): مدح الغرباء الذين يغتربون عن أوطانهم، وعشائرهم طلبًا


(١) أما السفر لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - فقد وقع فيه خلاف، فالأولى أن لا يسافر إلا بقصد الصلاة في مسجده، ثم يتوجّه لزيارة قبره بالسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبيه - رضي الله عنهما -، ولا يسافر بقصد الزيارة فقط، كما يفعله كثير من الناس؛ لأنه خلاف الحديث المذكور، فتنبّه لذلك، ولا تكن أسير التقليد، وسنعود إليه في موضعه - إن شاء الله تعالى -.