للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للإسلام، وأهله، فيجتمعون في مكان يمكنهم إظهار شعائر الإسلام فيه، ولا يُبالون بما أقبل من الدنيا، وما أدبر منها، وإنما همّهم إظهار الإسلام، والدعوة إليه، والذبّ عنه، ومقاطعة أهل البدع والخرافات، طوبى لهم، ثم طوبى لهم، ثم طوبى لهم.

٦ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: فيه حجةٌ على صحّة مذهب مالك في تمسّكه بعمل أهل المدينة، وكونه حجة شرعيّة، وقال أبو مصعب الزُّبيريّ في معنى الحديث: إنما المراد بالمدينة أهل المدينة، وأنه تنبيه على صحّة مذهبهم، وسلامتهم من البِدَعِ المحدثات، واقتدائهم بالسنن، والإيمان مجتمع عندهم، وعند من سلك سبيلهم. انتهى (١).

وتعقّب ذلك الحافظ بأن هذا إن سُلّم اختَصّ بعصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين، وأما بعد ظهور الفِتن، وانتشار الصحابة في البلدان، ولا سيّما في أواخر المائة الثانية، وهَلُمّ جرًّا فهو بالمشاهدة بخلاف ذلك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بحجيّة عمل أهل المدينة يحتاج إلى تفصيل، وقد حقّقه شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - تحقيقًا لا تجده عند غيره من المحقّقين، فقال ما ملخّصه:

التحقيق في مسألة إجماع أهل المدينة أن منه ما هو متّفق عليه بين المسلمين، ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين، ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم، وذلك أن إجماعهم على أربع مراتب:

[الأولى]: ما يجري مَجرى النقل عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، مثلُ نقلهم لمقدار الصاع والمدّ، وكترك صدقة الخضروات والأحباس، فهذا مما هو حجة باتّفاق العلماء، أما الشافعيّ وأحمد، وأصحابهما فهذا حجة عندهم بلا نزاع، كما هو عند مالك، وذلك مذهب أبي حنيفة وأصحابه. قال أبو يوسف، وهو أجلّ


(١) "المفهم" ١/ ٣٦٤.
(٢) "الفتح" ٣/ ١١٢ "كتاب فضائل المدينة" حديث (١٨٧٦).