للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصحاب أبي حنيفة رحمهما الله لَمّا اجتمع بمالك، وسأله عن الصاع والمدّ، فأمر مالك أهل المدينة بإحضار صيعانهم، وذكروا له إسنادها عن أسلافهم، فقال: أترى هؤلاء يكذبون؟ قال: لا، قال: فأنا حررت هذه الصيعان، فوجدتها خمسة أرطال وثلث بأرطالكم يا أهل العراق، وسأله عن صدقة الخضروات، فقال: هذه مباقيل أهل المدينة لم يؤخذ منها صدقة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما -، وسأله عن الأحباس، فقال: هذا حبس فلان، وهذا حبس فلان، يذكر لبيان الصحابة، فقال أبو يوسف في كل منها: قد رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجت. فقد نقل أبو يوسف أن مثل هذا النقل حجة عند صاحبه أبي حنيفة كما هو حجة عند غيره، لكن أبو حنيفة لم يبلغه هذا النقل كما لم يبلغ غيره من الأئمة كثير من الأحاديث.

[المرتبة الثانية]: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان - رضي الله عنه -، فهذا حجة في مذهب مالك، وهو المنصوص عليه عن الشافعيّ، قال في رواية يونس بن عبد الأعلى: إذا رأيت قدماء أهل المدينة على شيء فلا تتوقّف في قلبك ريبًا إنه الحقّ، وكذا ظاهر مذهب أحمد أن ما سنَّه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتّباعها، وقال أحمد: كلُّ بيعة كانت في المدينة فهي خلافة نبوّة، ومعلوم أن بيعة أبي بكر وعمر وعثمان كانت بالمدينة، وكذلك بيعة عليّ كانت بالمدينة، ثم خرج منها، وبعد ذلك لم يُعقد بالمدينة بيعة، وقد ثبت في الحديث الصحيح حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ بدعة ضلالة". وفي "السنن" من حديث سفينة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خلافة النبوّة ثلاثون سنة، ثم تصير مُلْكًا عَضُوضًا". والمحكيّ عن أبي حنيفة يقتضي أن قول الخلفاء الراشدين حجة، وما يُعلم لأهل المدينة عملٌ قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

[المرتبة الثالثة]: إذا تعارض في المسألة دليلان، كحديثين، وقياسين