للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جُهِل أيّهما أرجح، وأحدهما يَعْمَلُ به أهل المدينة، ففيه نزاع، فمذهب مالك والشافعيّ أنه يُرجّح بعمل أهل المدينة، ومذهب أبي حنيفة أنه لا يُرجّح به، ولأصحاب أحمد وجهان: أحدهما - وهو قول القاضي أبي يعلى وابن عَقيل -: أنه لا يرجَّحُ به، والثاني - وهو قول أبي الخطاب وغيره -: أنه يُرَجَّحُ به، قيل: هذا هو المنصوص عن أحمد، ومن كلامه قال: إذا رأى (١) أهل المدينة حديثًا، وعمِلوا به فهو الغاية، وكان يفتي على مذهب أهل المدينة، ويُقدّمه على مذهب أهل العراق تقريرًا كثيرًا، وكان يدلّ المستفتي على مذهب أهل الحديث، أهل المدينة، وكان أحمد يَكره أن يردّ على أهل المدينة كما يرُدّ على أهل الرأي، ويقول: إنهم اتبعوا الآثار. فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح بأقوال أهل المدينة.

[المرتبة الرابعة]: هي العمل المتأخّر بالمدينة، فهذا هل هو حجة شرعيّة يجب اتباعه أم لا؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعيّة، هذا مذهب الشافعيّ، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك، كما ذكر ذلك الفاضل عبد الوهّاب في كتابه "أصول الفقه" وغيره، ذكر أن هذا ليس إجماعًا، ولا حجةً عند المحقّقين من أصحاب مالك، وربما جعله حجة بعض أهل المغرب من أصحابه، وليس معه للأئمة نصّ، ولا دليلٌ، بل هم أهل التقليد. قال: ولم أرَ في كلام مالك ما يوجب جعلَ هذا حجةً، وهو في "الموطأ" إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم، فهو يحكي مذهبهم، وتارة يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا …

وإذا تبيّن أن إجماع أهل المدينة تفاوتت فيه مذاهب جمهور الأئمة عُلم بذلك أن قولهم أصحّ أقوال أهل الأمصار روايةً ورأيًا، وأنه تارة يكون حجة قاطعة، وتارة حجة قويّة، وتارةً مرجّحًا للدليل، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين. انتهى ملخّص كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - (٢)، وهو تفصيل نفيس، وتحقيق أنيس، والله تعالى أعلم.


(١) هكذا النسخة، والظاهر أن الصواب "روى"، فليُحرّر.
(٢) "مجموع الفتاوى" ٢٠/ ٣٠٣ - ٣١٠.