وذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطيّ - رحمه الله - ما معناه: أن الصحيح عن مالك أن إجماع أهل المدينة المعتبر له شرطان:
[أحدهما]: أن يكون فيما لا مجال للرأي فيه.
[الثاني]: أن يكون من الصحابة أو التابعين لا غير ذلك؛ لأن قول الصحابيّ فيما لا مجال للرأي فيه في حكم المرفوع، فأَلْحَقَ مالك التابعين من أهل المدينة فيما لا اجتهاد فيه؛ لتعلّمهم ذلك عن الصحابة.
أما في المسائل الاجتهاديّة، فأهل المدينة؛ فالصحيح عن مالك أنهم كغيرهم من الأمة، وحُكي عنه الإطلاق، وعلى القول بالإطلاق يتوجّه عليه اعتراض المؤلف - يعني: ابن قُدامة في روضة الناظر - بأنهم بعض من الأمة كغيرهم. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب.
وقد نظمت التفصيل المذكور في "التحفة المرضيّة" في الأصول بقولي:
وَاشْتَرَطُوا كَوْنَهُ قَولَ الكُلِّ … فَلَيْسَ إِجْمَاعٌ بقَولِ الجُلِّ
فَمِنْ هُنَا إِجْمَاعُ أَهْلِ طَيْبَةِ … يَحْتَاجُ تَفْصِيلًا بِدُونِ مِرْيَةِ
كَمَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدْ قَسَّمَهُ … أَرْبَعَةً فَهَاكَ مَا رَسَّمَهُ
أَوَّلُهَا مَا صَارَ مِثْلَ النَّقْلِ عَنْ … نَبِيِّنَا كَالصَّاعِ حُجَّةً قَمَنْ
وَثَانِهَا عَمَلُهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ … يُقْتَلَ عُثْمَانُ فَحُجَّةٌ تُسَنْ
أَعْنِي لَدَى الجُمْهُورِ إِذْ ذَا سُنَّةُ … الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حُجَّةُ
وَلَيْسَ يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالَفَهْ … لِسُنَّةِ الرَّسُولِ يَا ذَا المَعْرِفَهْ
ثَالِثُهَا إِنْ حُجَجٌ تَعَارَضَتْ … عَمَلُهُمْ لِبَعْضِهَا هَلْ رَجَّحَتْ؟
فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَجَّحَا … بِهِ وَنُعْمَانٌ إِبَاءً أَوْضَحَا
أَصْحَابُ أَحْمَدَ لَهُمْ وَجْهَانِ … كَلَامُهُ يَمِيلُ لِلرُّجْحَانِ
رَابِعُهَا عَمَلُهُمْ مُؤَخَّرَا … فَفِي احْتِجَاجِنَا بِهِ خُلْفٌ جَرَى
فَأَحْمَدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو … حَنِيفَةٍ وَغَيْرُهُمْ قَدْ رَغِبُوا
(١) "مذكّرة الشيخ الشنقيطيّ" - رحمه الله - ص ١٥٤.