للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥ - (ومنها): ما قال في "الفتح": قال القرطبيّ: الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد، قال: وقد يكون للندب، وجزم النوويّ بأنه للإرشاد؛ لكونه لمصلحة دنيوية، وتُعُقِّب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية، وهي حفظ النفس المحرَّم قَتْلها، والمال المحرم تبذيره.

وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه الأوامر لم يحملها الأكثر على الوجوب، ويلزم أهل الظاهر حملها عليه، قال: وهذا لا يختص بالظاهريّ، بل الحمل على الظاهر إلا لمعارضٍ ظاهرٍ يقول به أهل القياس، وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به؛ لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات، والمناسبات، وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها، فمنها ما يُحمل على الندب، وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يُحمل على الندب والإرشاد معًا، كإغلاق الأبواب؛ من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا؛ لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه، وإن كان تحته مصالح دنيوية، كالحراسة، وكذا إيكاء السقاء، وتخمير الإناء، واللَّه أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أنه لا فرق بين هذه الأوامر في حمل جميعها على الوجوب؛ لأنها بصيغ الأمر، والأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، ولم يأت من فرّق بينها بحجة مقنعة صارفة، فتأمل بالإنصاف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

٦ - (ومنها): ما قاله في "الفتح" أيضًا: وقال القرطبيّ: في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره، وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه، أو يفعل بها ما يؤمَن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة، فإنه يتعيَّن على بعضهم، وأحقّهم بذلك آخرهم نومًا، فمن فَرّط في ذلك كان للسُّنَّة مخالفًا، ولأدائها تاركًا، ثم أورد الحديث الذي أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم، من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: "جاءت فأرة، فجرّت الفتيلة، فألقتها بين يدي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الْخُمْرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إذا نِمْتم


(١) "الفتح" ١٤/ ٢٦٢، كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٩٣).