فأطفئوا سراجكم، فإن الشيطان يدلّ مثل هذه على هذا، فيحرقكم".
وفي هذا الحديث بيان سبب الأمر أيضًا، وبيان الحامل للفويسقة، وهي الفأرة على جرِّ الفتيلة، وهو الشيطان، فيستعين، وهو عدوّ الإنسان عليه بعدوِّ آخر، وهي النار، أعاذنا اللَّه بكرمه من كيد الأعداء، إنه رؤوف رحيم.
وقال ابن دقيق العيد: إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جرّ الفويسقة الفتيلة، فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يُمنع إيقاده، كما لو كان على منارة من نحاس أملس، لا يمكن الفأرة الصعود إليه، أو يكون مكانه بعيدًا عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج، قال: وأما ورود الأمر بإطفاء النار مطلقًا، كما في حديثي ابن عمر، وأبي موسى، وهو أعمّ من نار السراج، فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جرّ الفتيلة، كسقوط شيء من السراج على بعض متاع البيت، وكسقوط المنارة، فينثر السراج إلى شيء من المتاع، فيحرقه فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك، فإذا استوثق بحيث يؤمَن معه الإحراق، فيزول الحكم بزوال علته.
وقد صرح النوويّ بذلك في القنديل مثلًا؛ لأنه يؤمَن معه الضرر الذي لا يؤمَن مثله في السراج. انتهى (١)، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: ذكر أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "التمهيد" عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خمِّروا الآنية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، وكُفُّوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارًا، وخَطْفَةً"، رواه البخاريّ.
قال أبو عمر: في معنى قوله هذا: "وخطفة" ما قد ذكره ابن أبي الدنيا، قال: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، قال: حدّثنا خالد بن الحارث الْهُجيميّ، قال: حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي نَضْرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلًا من قومه خرج ليصلي مع قومه صلاة العشاء، ففُقِد، فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب، فحدّثته بذلك، فسأل عن ذلك قومها،