فإنما النهي عنه تأديب، ونَدْب إلى الفضل، والبرّ، وإرشاد إلى ما فيه المصلحة في الدنيا، والفضل في الدين، وما كان لغيري، فنُهيت عنه، فالنهي عنه نهي تحريم، وتحظير، واللَّه أعلم.
قال: وقد جاءت السُّنَّة المجتمع عليها أن اليمين للأكل والشرب، والشمال للاستنجاء، ونَهَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يستنجي باليمين، كما نَهَى أن يؤكل، أو يشرب بالشمال، وما عدا الأكل، والشرب، والاستنجاء، فبأيّ يديه فَعَل الإنسان ذلك، فلا حرج عليه، إلا أن التيامن كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحبه في الأمر كله، فينبغي للمؤمن أن يُحب ذلك، ويَرغب فيه، ففي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأسوة الحسنة على كل حال. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.
٢ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث دليل على أن الشياطين يأكلون، ويشربون، والشيطان المقصود إلى ذكره في هذا الحديث من الجنّ جنس من أجناسهم، نحو قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)} [الشعراء: ٢١٠، ٢١١]، ومثله كثير، وقد يكون الشيطان من الإنس على طريق اتساع اللغة، كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: ١١٢]، وإنما قيل لهؤلاء: شياطين؛ لِبُعْدهم من الخير، من قول العرب: نَوًى شُطُون؛ أي: بعيدة شاقّةٌ، قال جرير [من البسيط]: