قال السهيليّ: ولعل الصنف الطيار هو الذي لا يأكل ولا يشرب، إن صح القول به.
وقال صاحب "آكام المرجان": وبالجملة فالقائلون: الجن لا يأكل، ولا يشرب، إن أرادوا جميعهم فباطل؛ لمصادمة الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا صنفًا منهم، فمُحْتَمِلٌ، لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون، ويشربون. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد أسلفت لك أن الاستدلال بأثر وَهَب ونحوه غير صحيح، والحقّ أن الجنّ بأصنافهم يأكلون، ويشربون؛ للنصوص الصحيحة الصريحة، وما أحسن كلام ابن العربيّ المذكور، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأكل باليمين:
قال النوويّ: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله. وتعقّبه في "الفتح"، فقال: وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظرٌ، إلا إن أريدَ بالاستحباب أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين؛ لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة.
وقال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ": حمله أكثر الشافعية على الندب، وبه جزم الغزاليّ، ثم النوويّ، لكن نَصّ الشافعيُّ في "الرسالة"، وفي موضع آخر من "الأُمّ" على الوجوب.
قال الحافظ: وكذا ذكره عنه الصيرفيّ في "شرح الرسالة"، ونقل البويطيّ في "مختصره" أن الأكل من رأس الثريد، والتعريس على الطريق، والقِرَان في التمر، وغير ذلك، مما ورد الأمر بضدّه حرام، ومثَّل البيضاويّ في "منهاجه" للندب بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلْ مما يليك".
وتعقبه تاج الدين السبكيّ في "شرحه" بأن الشافعيّ نَصّ في غير موضع على أن من أكل مما لا يليه عالمًا بالنهي كان عاصيًا آثمًا، قال: وقد جمع