مراتب، فإذا ذكروا الواحد من الجنّ خالصًا قالوا: جنيّ، فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: عامرٌ، والجمع عُمّار، وإن كان ممن يَعْرِض للصبيان قالوا: أرواح، فإن خَبُث، وتعرَّم فهو شيطان، فإن زاد على ذلك فهو مارد، فإن زاد على ذلك، وقَوِي أمره قالوا: عِفريت، والجمع عفاريت. انتهى (١).
وقال الزرقانيّ في "شرح الموطّأ" عند قوله: "فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله"؛ أي: حقيقةً؛ لأن العقل لا يحيله، والشرع لا ينكره، وقد ثبت به الخبر، فلا يحتاج إلى تأويله بأن معناه: إن فعلتم كنتم أولياءه؛ لأنه يَحمِل أولياءه على ذلك، قال ابن عبد البرّ: وهذا ليس بشيء، فلا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز، إذا أمكنت الحقيقة فيه بوجه ما.
وقال ابن العربيّ: من نَفَى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حيالة إلحاد، وعدم رَشَاد، بل الشيطان وجميع الجانّ يأكلون ويشربون، وينكحون، ويولد لهم، ويموتون، وذلك جائز عقلًا، وورد به الشرع، وتضافرت به الأخبار، فلا يَخرُج عن هذا المضمار إلا حمار، ومن زعم أن أكلهم شمّ فما شَمّ رائحة العلم. انتهى.
ويقوي ذلك ما في مسلم أن الجنّ سألوه الزاد، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ عظم ذُكِر اسم اللَّه عليه يقع في يد أحدكم أوفر ما كان لحمًا"؛ لأن صيرورته لحمًا إنما يكون للأكل حقيقةً.
وروى ابن عبد البرّ عن وهب بن منبه: الجن أصناف، فخالصهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتوالدون، وصنف تفعل ذلك، ومنهم السعالي، والغِيلان، والقطرب.
قال الحافظ: وهذا إن ثبت كان جامعًا للقولين، ويؤيده ما لابن حبان، والحاكم، عن أبي ثعلبة الْخُشنيّ مرفوعًا: الجنّ على ثلاث أصناف، لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعقارب، وصنف يَحُلّون، ويظعنون، ويرحلون، ولابن أبي الدنيا مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث: وصِنْف عليهم الحساب والعقاب. انتهى.