"مصنّفه"(٥/ ١٠٢)، و (أحمد) في "مسنده"(٣/ ٦ و ٦٧ و ٦٩ و ٩٣)، و (الدارميّ) في "سننه"(٢/ ١١٩)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط"(٦/ ٢٨٢)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٥٣١٧)، و (أبو يعلى) في "مسنده"(٢/ ٣٦٥)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٥/ ١٤٨ - ١٤٩)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار"(٤/ ٢٧٧)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٧/ ٢٨٥) و"شُعَب الإيمان"(٥/ ١١٦)، و (البغويّ) في "شرح السنّة"(٣٠٤١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم الشرب من في السقاء:
قال في "الفتح": قال النوويّ: اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه، لا للتحريم، كذا قال، وفي نقل الاتفاق نظرٌ؛ لِمَا سأذكره، فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القِرَب، وقال: لم يبلغني فيه نهي، وبالغ ابن بطال في ردّ هذا القول، واعتذر عنه ابن الْمُنَيّر باحتمال أنه كان لا يَحمِل النهي فيه على التحريم، كذا قال، مع النقل عن مالك أنه لم يبلغه فيه نهي، فالاعتذار عنه بهذا القول أَولى، والحجة قائمة على من بلغه النهي.
قال النوويّ: ويؤيّد كون هذا النهي للتنزيه أحاديث الرخصة في ذلك.
قال الحافظ: لم أرَ في شيء من الأحاديث المرفوعة ما يدلّ على الجواز، إلا مِنْ فِعله - صلى الله عليه وسلم -، وأحاديث النهي كلها من قوله، فهي أرجح إذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك، فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه - صلى الله عليه وسلم -: أما أوّلًا فلعصمته، ولطيب نكهته، وأما ثانيًا فلرفقه في صب الماء، وبيان ذلك بسياق ما ورد في علة النهي، فمنها ما تقدم من أنه لا يؤمَن دخول شيء من الهوامّ مع الماء في جوف السقاء، فيدخل فم الشارب، وهو لا يشعر، وهذا يقتضي أنه لو ملأ السقاء، وهو يشاهد الماء يدخل فيه، ثم ربطه ربطًا محكمًا، ثم لمّا أراد أن يشرب حلّه فشرب منه، لا يتناوله النهي.
ومنها ما أخرجه الحاكم من حديث عائشة - رضي الله عنها - بسند قويّ، بلفظ:"أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن يُشْرَب من في السقاء؛ لأن ذلك يُنتنه"، وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصًّا بمن يشرب، فيتنفس داخل الإناء، أو باشر بفمه باطن السقاء، أما من صبّ من القربة داخل فمه من غير مماسة فلا.