للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذي يتكسَّر في كلامه تكسُّر النساء، ويَنْثَنِي في مِشْيَته كمشيتهنَّ.

وقيل في هذا، وفي نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب من فم السقاء أن ذلك مخافة أن يتقزَّز منه بعض الناس فيستقذره، وقيل: لِمَا يُخاف من ضرر يكون هنالك، كما رُوي عن أبي سعيد: أن رجلًا شرب من في سقاء فانساب جانّ (١) في بطنه، فنهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية، وأن يُشرب من أفواهها، ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من رواية الزهريّ، وقد خرَّج الزبيريّ وغيره: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قام إلى قربة، فخنثها، وشرب من فيها، وهذا - إن صحَّ (٢) - محمله: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِم أنه لم يكن هنالك شيء يضرّ، وأنه لم يكن يُستقذر منه شيء، بل كان كلُّ ما يُستقذر من غيره يستطاب منه، وتطيب به الأشياء. انتهى (٣).

وقوله: (أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أفوَاهِهَا) "أن" مصدريّة، والفعل مبنيّ للمفعول، والمصدر المؤوّل بدل من "اختناث"، فهو تفسير لمعنى الاختناث، وهذا التفسير تقدّم أنه مدرج، وقد جزم الخطّابيّ أنه من تفسير الزهريّ.

ويُحمل هذا التفسير المطلق، وهو الشرب من أفواهها على المقيّد بكسر فمها، أو قلب رأسها؛ أي: في رواية للبخاريّ بقوله: "يعني: أن تُكسر أفواهها، فيُشرب منها"، والله تعالى أعلم.

وقوله: (مِنْ أفوَاهِهَا) قال في "العمدة": الأفواه: جمع فم، على سبيل


(١) الجانّ: ضرب من الحيّات، أكحل العينين، يَضرب إلى الصفرة، لا يؤذي، والجمع: جِنّان.
(٢) قال الجامع: لا يصحّ هذا الحديث، فقد قال الترمذيّ في "الجامع" بعد إخراجه من حديث عيسى بن عبد الله بن أُنيس عن أبيه: هذا إسناد ليس إسناده بصحيح، وعبد الله بن عمر الْعُمَريّ يُضعّف من قِبَل حفظه، ولا أدري سمع من عيسى أم لا. انتهى.
وإنما الحديث صحيح بغير ذكر لفظ: "فخنثها"، فقد أخرجه الترمذي بسند صحيح ٤/ ٣٠٦، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن جدّته كبشة، قالت: "دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشرب من في قربة معلقة، قائمًا، فقمت إلى فيها فقطعته"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. انتهى.
(٣) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٢٨٦ - ٢٨٨.