للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حال الضرورة جمعًا بين الخبرين أَولى من حملها على النَّسخ، والله أعلم.

وقد سبق ابن العربيّ إلى نحو ما أشار إليه العراقيّ، فقال: يَحْتَمِل أن يكون شُربه - صلى الله عليه وسلم - في حال ضرورة، إما عند الحرب، وإما عند عدم الإناء، أو مع وجوده، لكن لم يتمكن لشغله من التفريغ من السقاء في الإناء، ثم قال: ويَحْتَمِل أن يكون شرب من إداوة، والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة؛ لأنها مظنة وجود الهوامّ، كذا قال، والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيء من الهوامّ فيها، والضرر يحصل به، ولو كان حقيرًا، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن القول بحمل النهي على التحريم أرجح؛ لأن النهي يقتضي التحريم إلا لصارف، ولا صارف هنا، لأن ما ذكروه صارفًا من فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس قويًّا؛ لِمَا ذُكر من حَمْله على حالة الضرورة، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم.

وبالسند المتَّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٥٢٦١] (. . .) - (وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ، أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا).

رجال هذا الإسناد: ستة:

وكلّهم ذُكروا في الباب، وقبل بابين، والحديث متّفقٌ عليه.

وقوله: (نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية، قال الراوي: واختناثها أن يُقْلَبَ رأسُها، ويُشرب منه، قال ابن دريد: اختناث الأسقية: كسر أفواهها إلى خارج؛ ليُشرب منها، فأمَّا كسرها إلى داخل فهو القَمْع.

قال القرطبيّ: وأصل هذه اللفظة: التَّكسر، والتثني، ومنه: المخنَّث وهو


(١) "الفتح" ١٢/ ٦٨٦ - ٦٨٨، كتاب "الأشربة" رقم (٥٦٢٥).