للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: لا روايته فيه نظر لا يخفى، فإن قول قتادة: قلنا: فالأكل؛ أي: سألنا أنسًا عن الأكل، يردّه؛ فقد صرّح بأنه رواه عن أنس، وليس رأيًا له، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: وقد ذهب بعض الناس: إلى أن النهي عن الشرب قائمًا إنما كان لئلا يستعجل القائم فَيَعُبَّ، فيأخذه الكُباد (١)، أو يُشْرَق، أو يأخذه وجع في الحلق، أو في المعدة؛ فينبغي ألا يشرب قائمًا، وحيث شرب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قائمًا أَمِن ذلك، أو دَعَته إلى ذلك ضرورة، أو حاجة، لا سيما وكان على زمزم، وهو موضع مزدحم الناس، أو لعلَّه فعل ذلك ليري الناس أنه ليس بصائم، أو لأن شُرب ماء زمزم في مثل ذلك الوقت مندوبٌ إليه، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقد أجاد الحافظ - رحمه الله - في "الفتح" في هذا المسألة، فأطال في البحث، وحقّق، وشرح ما تقدّم من كلام النوويّ، والقرطبيّ، وغيرهما من العلماء، أحببت إيراده بطوله؛ لنفاسته، وغزارة فوائده، قال - رحمه الله -:

قال المازريّ: اختَلَف الناس في هذا، فذهب الجمهور إلى الجواز، وكرهه قوم، فقال بعض شيوخنا: لعل النهي ينصرف لمن أتى أصحابه بماء، فبادر لشربه قائمًا قبلهم؛ استبدادًا به، وخروجًا عن كون ساقي القوم آخرهم شربًا، قال: وأيضًا فإن الأمر في حديث أبي هريرة بالاستقاء لا خلاف بين أهل العلم في أنه ليس على أحد أن يستقيء، قال: وقال بعض الشيوخ: الأظهر أنه موقوف على أبي هريرة، قال: وتضمَّن حديث أنس الأكل أيضًا، ولا خلاف في جواز الأكل قائمًا، قال: والذي يظهر لي أن أحاديث شُربه - صلى الله عليه وسلم - قائمًا تدلّ على الجواز، وأحاديث النهي تُحمَل على الاستحباب، والحثِّ على ما هو أَولى وأكمل، أو لأن في الشرب قائمًا ضررًا، فأنكره من أجله، وفَعَله هو لِأَمْنه، قال: وعلى هذا الثاني يُحمل قوله: "فمن نسي فليستقيء" على أن ذلك يُحَرِّك خِلْطًا يكون القيء دواءه، ويؤيده قول النخعيّ: إنما نُهِي عن ذلك لداء البطن. انتهى كلام المازريّ ملخصًا.


(١) "الْكُبَاد"؛ كغُرَاب: وَجَع الْكَبِد، قاله في "القاموس".
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٢٨٥ - ٢٨٦.