نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس، فإن فيه:"قلنا لأنس: فالأكل؟ ".
وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور، فهو قول سَبَق إليه ابن المدينيّ؛ لأنه لم يرو عنه إلا قتادة، لكن وثقه الطبريّ، وابن حبان، ومثل هذا يُخَرَّج في الشواهد.
ودعواه اضطرابه مردودة؛ لأن لقتادة فيه إسنادين، وهو حافظ.
وأما تضعيفه لحديث أبي هريرة بعُمر بن حمزة فهو مختلف في توثيقه، ومثله يُخَرِّج له مسلم في المتابعات، وقد تابعه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما أشرت إليه عند أحمد، وابن حبان، فالحديث بمجموع طرقه صحيح، والله أعلم.
قال النوويّ وتبعه العراقيّ في "شرح الترمذيّ": إن قوله: "فمن نسي" لا مفهوم له، بل يستحب ذلك للعامد أيضًا بطريق الأَولى، وإنما خص الناسي بالذِّكر؛ لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبًا إلا نسيانًا.
قال الحافظ: وقد يُطلق النسيان، ويراد به الترك، فيشمل السهو والعمد، فكأنه قيل: من تَرَك امتثال الأمر، وشرب قائمًا، فليستقيء.
وقال القرطبيّ في "المفهم": لم يَصِر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم، وإن كان جاريًا على أصول الظاهرية، والقول به، وتُعُقّب بأن ابن حزم منهم جزم بالتحريم، وتمسك من لم يقل بالتحريم بحديث عليّ المذكور عند البخاريّ (١)، وصححّ الترمذيّ من حديث ابن عمر:"كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام"، وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، أخرجه الترمذيّ أيضًا، وعن عبد الله بن أُنيس، أخرجه الطبرانيّ، وعن أنس، أخرجه البزار، والأثرم، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أخرجه الترمذيّ، وحسّنه، وعن عائشة، أخرجه البزار، وأبو علي الطوسيّ في "الأحكام"، وعن أم سليم نحوه، أخرجه ابن شاهين، وعن عبد الله بن السائب، عن خباب، عن أبيه، عن جدّه، أخرجه ابن أبي حاتم، وعن كبشة، قالت: دخل عليّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فشَرِب من قِرْبة مُعلّقة، أخرجه
(١) هو حديث عليّ - رضي الله عنه - في شُربه قائمًا من فَضْل وضوئه، وقوله: إنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك.