الترمذيّ، وصحّحه، وعن كلثم نحوه، أخرجه أبو موسى بسند حسن.
قال: وثبت الشرب قائمًا عن عمر، أخرجه الطبريّ، وفي "الموطأ" أن عمر، وعثمان، وعليًّا كانوا يشربون قيامًا، وكان سعد، وعائشة لا يرون بذلك بأسًا، وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين.
قال: وسلك العلماء في ذلك مسالك:
[أحدها]: الترجيح، وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي، وهذه طريقة أبي بكر الأثرم، فقال: حديث أنس - يعني: في النهي - جيد الإسناد، ولكن قد جاء عنه خلافه - يعني: في الجواز - قال: ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى؛ لأن الثَّبْت قد يروي من هو دونه الشيءَ، فيرجَّح عليه، فقد رُجِّح نافع على سالم في بعض الأحاديث، عن ابن عمر، وسالم مقدَّم على نافع في الثبت، وقُدِّم شريك على الثوريّ في حديثين، وسفيان مقدَّم عليه في جملة أحاديث، ثم أسند عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لا بأس بالشرب قائمًا، قال الأثرم: فدلّ على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة، وإلا لَمَا قال: لا بأس به، قال: ويدلّ على وهاء أحاديث النهي أيضًا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائمًا أن يستقيء.
[المسلك الثاني]: دعوى النسخ، وإليها جنح الأثرم، وابن شاهين، فقررا على أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز، بقرينة عمل الخلفاء الراشدين، ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز، وقد عكس ذلك ابن حزم، فادَّعَى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي؛ متمسكًا بأن الجواز على وفق الأصل، وأحاديث النهي مُقَرِّرة لحكم الشرع، فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان، فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة؛ لِمَا وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، كما ثبت ذلك في حديث ابن عباس، وإذا كان ذلك الأخير من فِعْله - صلى الله عليه وسلم - دلّ على الجواز، ويتأيّد بفعل الخلفاء الراشدين بعده.
[المسلك الثالث]: الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل، فقال أبو الفرج الثقفيّ في نَصْره الصحاح: والمراد بالقيام هنا: المشي، يقال: قام في