للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمر إذا مشى فيه، وقمتَ في حاجتي: إذا سعيت فيها، وقضيتها، ومنه قوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: ٧٥]؛ أي: مواظبًا بالمشي عليه.

وجنح الطحاويّ إلى تأويل آخر، وهو حمل النهي على من لم يسمّ عند شربه، وهذا إن سُلّم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلّم له في بقيتها.

وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابيّ، وابن بطال، في آخرين، قال الحافظ: وهذا أحسن المسالك، وأسلمها، وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرًا، فقال: إن ثبتت الكراهة حُملت على الإرشاد، والتأديب، لا على التحريم، وبذلك جزم الطبريّ، وأيده بأنه لو كان جائزًا ثم حرّمه، أو كان حرامًا ثم جوّزه لبيَّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيانًا واضحًا، فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا.

وقيل: إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطبّ مخافة وقوع ضرر به، فإن الشرب قاعدًا أمكن، وأبعد من الشرق، وحصول الوجع في الكبد، أو الحلق، وكل ذلك قد لا يأمَن منه من شرب قائمًا. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من استعراض الأقوال، وأدلّتها في مسألة الشرب قائمًا أن الذي يترجّح عندي مذهب من جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، كما قال به جماعة، وحقّقه الطبريّ، واستحسنه الحافظ؛ لأن به تجتمع الأدلّة من غير إجحاف ببعضها، ولا تكلّف، فتأمل ذلك بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المتصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٥٢٦٤] (. . .) - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا، قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا (٢): فَالأَكْلُ؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ، أَوْ أَخْبَثُ).


(١) "الفتح" ١٢/ ٦٧٣ - ٦٧٦، كتاب "الأشربة" رقم (٥٦١٥).
(٢) وفي نسخة: "فقلت".