وفي الرواية التالية: "لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله"، قال النوويّ - رحمه الله -: هو برفع اسم الله تعالى، وقد يَغْلَطُ فيه بعض الناس، فلا يرفعه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا غلّط النوويّ من لم يرفع لفظ "الله الله"، وقد عارضه القرطبيّ، حيث صوّب النصب، واستبعد الرفع، ودونك نصّه، قال: "اللهَ اللهَ" كذا صوابه بالنصب، وكذلك قيّدناه عن محقّقي من لقيناه، ووجهه أن هذا مثلُ قول العرب: "الأسدَ الأسدَ"، و"الجدارَ الجدارَ"، إذا حذّروا من الأسد المفترس، والجدار المائل، فهو منصوب بفعل مُضمر، كأنهم قالوا: احذر الأسد المفترس، لكنّهم التزموا إضماره هنا لتكرار الاسم، ونصبه، كما قال الشاعر [من الطويل]:
أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ … كَسَاعٍ إِلَى الهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحِ
فإن أفردوا ذَكَرُوا الفعل، فقالوا: اتّق الأسدَ، واحذر الجدارَ، واحفظ أخاك.
قال الجامع عفا الله عنه: وإلى ما ذُكر، وغيره من أحكام التحذير والإغراء أشار ابن مالك - رحمه الله - في "الخلاصة"، فقال:
"إِيَّاكَ وَالشَّرَّ" وَنَحْوَهُ نَصَبْ … مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ
وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لِـ"إِيَّا" انْسُبْ وَمَا … سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلْزَمَا
إِلَّا مَعَ العَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ … كَـ"الضَّيْغَمَ الضَّيْغَمَ يَا ذَا السَّارِي"
وَشَذَّ "إِيَّايَ" وَ"إِيَّاهُ" أَشَذْ … وَعَنْ سَبِيلِ القَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ
وَكَمُحَذَّرٍ بِلَا "إِيَّا" اجْعَلَا … مُغْرًى بِهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصَّلَا
قال القرطبيّ: وقيّده بعضهم: "اللهُ اللهُ" بالرفع على الابتداء، وحذف الخبر، وفيه بُعْدٌ. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن العمدة في ذلك صحة الرواية، وظاهر كلام القرطبيّ ثبوت النصب رواية، وكلام النوويّ يفيد ثبوت الرفع كذلك، فإذا ثبتت الرواية بهما، فالوجهان صحيحان دون أيّ استبعاد لهما، فأما النصب فعلى الوجه الذي ذكره القرطبيّ، وهو النصب على التحذير؛ أي:
(١) "المفهم" ١/ ٣٦٤ - ٣٦٥.