مطّردة عند المحدثين في مثل هذا، وللخطيب فيه تصنيف سمّاه "المكمل لبيان المهمل"، وقد روى هذا الحديث بعينه سفيان بن عيينة، عن عاصم الأحول، أخرجه أحمد عنه، وكذا هو عند مسلم رواية ابن عيينة، وأخرجه أحمد أيضًا من وجه آخر، عن سفيان الثوريّ، عن عاصم الأحول، لكن خصوص رواية أبي نعيم فيه إنما هي عن الثوريّ كما تقدم. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الحافظ - رحمه الله - بحث نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس، وقد نظمت هذه القاعدة، أعني قاعدة التمييز بين السفيانين، مع قاعدة التمييز بين الحمادين: ابن سلمة، وابن زيد، فقلت في القاعدة الأولى:
وَهَكَذَا جَاءَ اشْتِبَاهُ الثَّوْرِي … بِابْنِ عُيَيْنَةَ فَتَابِعْ سَيْرِي
فَأَوَّلٌ أَصْحَابُهُ كِبَارُ … وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَهُ الصِّغَارُ
تَاسِعَةُ الطِّبَاقِ أَوْ بَعْضُ كِبَارْ … عَاشِرَةٍ لأَوَّلِ لَهَا اخْتِيَارْ
فَمِنْهُمُ الْقَطَّانُ وَابْنُ مَهْدِي … أَبُو نُعَيْمٍ وَوَكَيعٌ يَهْدِي
وَابْنُ كَثِيرٍ وَقَبيصَةُ مُعَاذْ … يَحْيَى يَزِيدُ مَخْلَدٌ لَهُ نَفَادْ
أَمَّا الْحُمَيْدِيُّ قُتَيْبَةُ كَذَا … مُسَدَّدٌ وَنَحْوُهُمْ فَقَدْ حَذَا
لِلثَّانِ فَالْمُمَيِّزُ الطَّبِقَةُ … فَاعْنَ بِحِفْظِهَا فَفِيهَا الْفُرْقَةُ
وَإِنْ عَنِ الزُّهْرِيِّ سُفْيَانُ رَوَى … فَابْنُ عُيَيْنَةَ الرَّفِيعُ الْمُسْتَوَى
وَهَكَذَا اعْتَنَى الإِمَامُ الذّهَبِي … فِي سِيَرِ الأعْلَامِ فَاقْبَلْ نَصَبِي
وقد تقدّمت الأبيات في هذا الشرح، وهي القاعدة السابعة والثلاثون في "الفوائد السميّة"، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
وقوله: (مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا) الجارّ والمجرور الأول بدل من قوله: "من زمزم"، والثاني صفة لـ "دلو".
قال الفيّوميّ - رحمه الله -: الدَّلْوُ تأنيثها أكثر، فيقال: هي الدَّلْوُ، وفي التذكير يُصَغَّر على دُلَيٍّ، مثل فَلْس وفُلَيس، وثلاثة أَدْلٍ، وفي التأنيث دُلَيَّةٌ بالهاء، وثلاث أَدْلٍ، وجمع الكثرة الدِّلاءُ، والدُّليُّ، والأصل فُعُول، مثل فُلُوس، وأَدْلَيْتُهَا إِدْلاءً: أرسلتها؛ ليُستَقَى بها، ودَلَوْتُهَا، أَدْلُوهَا لغةٌ فيه، ودَلَوْتُهَا،
(١) "الفتح" ١٢/ ٦٧٧، كتاب "الأشربة" رقم (٥٦١٧).