للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الخليل: وَيْسٌ كلمةٌ في موضع رأْفةٍ، واستملاحٍ، كقَولك للصّبيّ: وَيْحَه ما أَملَحَه، ووَيْسَه ما أَمْلَحَه، وقال نصرٌ النَّحوِيّ: سمعْت بعضَ مَن يَتنطَّع يقول: الوَيْح رَحمةٌ، وليس بينه وبين الوَيْل فُرقَانٌ، إِلّا أَنّه كان أَلْيَنَ قليلًا. وفي "التهذيب": قد قال أَكثرُ أَهلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الوَيلَ كلمةٌ تقال لكلّ مَن وَقَع في هَلَكةٍ وعَذاب، والفرْقُ بين وَيْح، ووَيْل: أَنَّ وَيْلًا تقال لمن وَقَعَ في هَلَكةٍ، أَو بَلِيّة لا يُترحَّمُ عليه، ووَيْح تُقال لكلِّ مَن وَقَعَ في بَلِيّة يُرْحَم، ويُدعَى له بالتخلُّص منها، أَلا ترَى أَنَّ الوَيْل في القرآن لمستحِقيِّ العذابِ بجرائِمهم، وأَمّا وَيْح فَإِنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالها لعمّار: "وَيْحَك يا ابنَ سُميّةَ بُؤسًا لكَ تَقتُلكَ الفِئةُ الباغِية"، كأَنّه أُعلِمَ ما يُبتلَى به من القَتْل، فتوجَّعَ له، وتَرحَّمَ عليه.

ورَفْعُه على الابتداءِ؛ أَي: على أَنه مبتدَأٌ، والظرْف بعده خبَرُهُ: والمسوّغ للابتداءِ بالنكرة التعظيمُ المفهومُ من التنوين، أَو التنكير، أَو لأَنَّ هذه الأَلفاظَ جَرتْ مَجْرَى الأَمثال، أَو أُقيمَت مُقامَ الدُّعَاءِ، أَو فيها التعجُّبُ دائمًا، أَو لوُضوحه، أَو نحو ذلك مما يُبديه النّظَرُ، وتَقتضِيه قواعدُ العربيّة.

ونَصْبُه بإِضمارِ فعْل، وكأَنك قلت: أَلْزمَه اللهُ وَيْحًا، كذا في "الصّحاح"، و"اللّسان"، وفي "الفائق" للزّمخشريّ؛ أَي: أَتَرحَّمه تَرحُّمًا، وزاد في "الصّحاح": وأَما قوله: {فَتَعْسًا لَهُمْ} [محمد: ٨]، و {بُعْدًا لِثَمُودَ (٦٨)} [هود: ٦٨]، وما أَشبه ذلك فهو منصوبٌ أَبَدًا؛ لأَنّه لا تَصِحُّ إِضافتُه بغير لامٍ؛ لأنّك لو قلْتَ: فتعسَهم، أَو بُعْدَهم، لم يَصلُح، فلذلك افترقَا، ولك أَن تقول: وَيْحَ زيدٍ، ووَيْحَه، ووَيْلَ زَيْدِ، ووَيْلَه، بالإِضافَة ونَصْبُهما به؛ أَي: بإِضمار الفِعْل أَيضًا، كذا في "الصّحاح"، وربما جُعِل مع "ما" كلمةً واحدةً، وقيل: ويْحمَا زيدٍ بمعْناهُ؛ أَي: هي مثلُ وَيْح، كلمة ترحُّم، قال حُميدُ بنُ ثورٍ [من الطويل]:

أَلَا هَيَّمَا مِمّا لَقِيتُ وهَيَّمَا … ووَيْحٌ لمن لم يَدْرِ مَا هُنّ ويْحَمَا

أَو أَصلُه؛ أي: أَصلُ وَيْح: ويْ، وكذلك ويْس، ووَيْل، وُصِلَت بحاءٍ مَرَةً، فقيل: وَيْل، وبباءٍ مرّةً، فقيل: وَيْب، وبسِينٍ مرّة، فقيل: وَيْس، وكذا ويْك، ووَيْه، وويْح، قال سيبويه: سأَلتُ الخليلَ عنها، فزعم أَنّ كلّ مَن نَدِم، فأَظهر نَدَامَتَه قال: وَيْ، ومعناها التَّنديمُ، والتَّنبيه، قال ابن كَيْسَان: إِذا قالوا: وَيْلٌ له، ووَيْحٌ لي، ووَيْسٌ له، فالكلام فيهنّ الرَّفعُ على الابتداءِ، واللام في