للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد كثر عددنا، وقَوِيت شوكتنا، وقد نصرنا الله تعالى، ونحن في قلّة وضعف؟.

ووقع في رواية البخاريّ من طريق الثوريّ، عن الأعمش: "فكتبنا له ألفًا وخمسَمائة رجل، فقلنا: نَخَافُ، ونحن ألف وخمسُمائة؟ "، وفي رواية للبخاريّ أيضًا مَن طريق أبي حمزة السّكّريّ، عن الأعمش: "فوجدناهم خمسَمائة".

قال في "الفتح" ما حاصله: خالف الثوريَّ أبو حمزة، عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند، فقال: "خمسمائة"، ولم يذكر الألف، وخالفه أيضًا أبو معاوية، فقال: "ما بين ستمائة إلى سبعمائة".

قال: وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم، وأحمد، والنسائيّ، وابن ماجه، وكأن رواية الثوريّ رَجَحَت عند البخاريّ، فلذلك اعتمدَهَا؛ لكونه أحفظهم مطلقًا، وزاد عليهم، وزيادة الثقة الحافظ مقدَّمةٌ، وأبو معاوية وإن كان أحفظَ أصحاب الأعمش بخصوصه، ولذلك اقتصر مسلمٌ على روايته، لكنه لم يَجْزِم بالعدد - أي حيث عبّر بلفظ: ما بين ستمائة، إلى سبعمائة - فقَدَّم البخاري روايةَ الثوريّ؛ لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين، ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية.

وأما ما ذكره الإسماعيليّ أن يحيى بن سعيد الأُمَويّ، وأبا بكر بن عَيّاش وافقا أبا حمزة في قوله: "خمسمائة"، فتتعارض الأكثرية والأحفظية، فلا يخفى بُعْدُ ذلك الترجيح بالزيادة، وبهذا يَظْهَر رُجحان نظر البخاريّ على غيره.

وسَلَك الداوديّ الشارحُ طريق الجمع، فقال: لعلهم كَتَبُوا مَرّات في مواطن، وجَمَعَ بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميعُ مَن أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبيّ، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصّةً، وبالخمسمائة المقاتلة خاصّةً، وهو أحسن من الجمع الأَوّل، وإن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى: "ألفًا وخمسمائة رجل"؛ لإمكان أن يكون الراوي أراد بقوله: "رجل" نفس.

وجَمَع بعضهم (١) بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصّةً،


(١) هذا البعض هو النووي رحمه الله. قال في شرحه (٢/ ١٧٩) بعد ذكر اختلاف الروايات ما نصّه:
وقد يقال: وجه الجمع بين هذه الالفاظ أن يكون قولهم: "ألف وخمسمائة" المراد به النساء والصبيان والرجال، ويكون قولهم: "ستمائة إلى سبعمائة" الرجال خاصّةً، =