للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في فوائده:

١ - (منها): بيان جواز استتباع الإنسان غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققًا تامًّا.

٢ - (ومنها): بيان ما كان القوم عليه في أول الإسلام، من ضيق الحال، وشَظَف العيش، وما زال الأنبياء والصالحون يجوعون مرّةً، ويشبعون أخرى، وتُزوَى عنهم الدنيا، قاله ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا يدلّ على شدَّة حالهم في أوَّل أمرهم، وسبب ذلك أن أهل المدينة كانوا في شَظَف من العيش عندما قَدِم عليهم النبيّ مع المهاجرين، وكان المهاجرون فرُّوا بأنفسهم، وتركوا أموالهم، وديارهم، فقَدِموا فقراء على أهل شدَّة، وحاجة، مع أن الأنصار - رضي الله عنهم - واسوهم فيما كان عندهم، وأشركوهم فيما كان لهم، ومنحوهم، وهادَوْهم، غير أن ذلك ما كان يسدُّ خلَّاتهم، ولا يرفع فاقاتهم، مع إيثارهم الضراء على السراء، والفقر على الغنى. ولم يزل ذلك دأبهم إلى أن فتح الله عليهم وادي القرى، وخيبر، وغير ذلك؛ فردُّوا لهم منائحهم، واستغنوا بما فتح الله عليهم، ومع ذلك فلم يزل عيشهم شديدًا، وجهدهم جهيدًا حتَّى لقوا الله تعالى مؤثرين ما عندهم، صابرين على شدَّة عيشهم، معرضين عن الدنيا وزهرتها ولذاتها، مقبلين على الآخرة، ونعيمها، وكراماتها، فحماهم الله ما رغبوا عنه، وأوصلهم إلى ما رغبوا فيه، حشرنا الله في زمرتهم، واستعملنا بسنَّتهم. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: هذا الحديث فيه بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكبار أصحابه - رضي الله عنهم - من التقلل من الدنيا، وما ابتُلُوا به من الجوع، وضيق العيش في أوقات، وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم، وهذا زعم باطل، فإن راوي الحديث أبو هريرة - رضي الله عنه -، ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر.

[فإن قيل]: لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية، فلعله سمعها من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو غيره.


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٢٤/ ٣٣٩.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٠٥.