للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للتحقيق (أَنْ تُبْتَلَوْا") بضمّ أوله، وفتح ثالثه، ورابعه، أما فتح ثالثه، فلكونه مبنيًّا للمفعول، وفتح رابعه، وهو اللام، فلأجل وقوع الإعلال فيه؛ إذ أصله: "أن تُبتَلَوُوا" بضم الواو الأولى، فقُلبت ألفًا؛ لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ثم حُذفت لالتقاء الساكنين: وهما الواوان، فبقي ما قبلها مفتوحًا؛ لعدم كونه قبلها تقديرًا.

ولفظ أبي عوانة، وأبي نُعيم: "لعلّكم تُبْتَلَون" بحذف "أن"، قال في "الفتح": وكأنّ ذلك وقع عند تَرَقُّب ما يُخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى أُحد أو غيرها، ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حَفْر الخندق، وحَكَى الداوديّ احتمالَ أنّ ذلك وقع لَمّا كانوا بالحديبية؛ لأنه قد اختُلِف في عددهم، هل كانوا ألفًا وخمسمائة، أو ألفًا وأربعمائة، أو غير ذلك؟ مما سيأتي في مكانه. انتهى (١).

(قَالَ) حُذيفة - رضي الله عنه - (فَابْتُلِيْنَا) بالبناء للمفعول، ولفظ البخاريّ: "فلقد رأيتُنَا ابتُلِينا" (حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلا سِرًّا) أي: فتحقّق ما أخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فحصل الابتلاء بالفتن التي تموج كموج البحر، وامتُحنوا حتى كان الرجل منهم يُخفي صلاته عن الآخرين، ويُصلّي سرًّا، خوفًا وفَرَقًا.

قال النوويّ - رحمه الله -: لعله كان في بعض الفتن التي جَرَت بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكان بعضهم يُخفِي نفسه، ويصلي سرًّا؛ مخافةً من الظهور، والمشاركة في الدخول في الفتنة والحروب، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": وأما قول حذيفة - رضي الله عنه -: "فابتُلِينا … إلخ" فيُشبِه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان - رضي الله عنه - من ولاية بعض أمراء الكوفة، كالوليد بن عقبة، حيث كان يؤخر الصلاةَ، أو لا يُقيمها على وجهها، وكان بعض الوَرِعِين يُصلي وحده سرًّا، ثم يصلي معه خشيةً من وقوع الفتنة، وقيل: كان ذلك حين أتمّ عثمانُ الصلاة في السفر، وكان بعضهم يَقصر سرًّا وحده؛ خشيةَ الإنكار عليه.

ووَهِمَ مَن قال: إن ذلك كان أيامَ قتل عثمان؛ لأن حذيفة - رضي الله عنه - لم يحضر


(١) "الفتح" ٦/ ٢٠٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٧٩ - ١٨٠.