للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ببرد الشتاء، وينمّيه مطر الربيع، فيتولد، ويندفع متجسدًا، ولذلك كان بعض العرب يسمّيها جُدَريّ الأرض (١) تشبيهًا لها بالجدريّ مادةً وصورةً؛ لأن مادته رطوبة دموية، تندفع غالبًا عند الترعرع، وفي ابتداء استيلاء الحرارة، ونماء القوة، ومشابهتها له في الصورة ظاهر.

وأخرج الترمذيّ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن ناسًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: الكمأة جُدَريّ الأرض، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم -: "الكمأة من المنّ … " الحديث.

وللطبريّ من طريق ابن المنكدر، عن جابر قال: كَثُرت الكمأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فامتنع قوم من أكلها، وقالوا: هي جدريّ الأرض، فبلغه ذلك، فقال: "إن الكمأة ليست من جدريّ الأرض، ألا إن الكمأة من المنّ"، والعرب تسمي الكمأة أيضًا بنات الرعد؛ لأنها تكثر بكثرته، ثم تنفطر عنها الأرض، وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام، ومصر، فأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء، ومنها صنف قتّال يضرب لونه إلى الحمرة، وهي باردة رطبة في الثانية، رديئة للمعدة، بطيئة الهضم، وإدمان أكلها يورث القولنج، والسكتة، والفالج، وعسر البول، والرطب منها أقل ضررًا من اليابس، وإذا دُفنت في الطين الرطب، ثم سلقت بالماء والملح والسَّعْتَر (٢)، وأُكلت بالزيت، والتوابل الحارة قلّ ضررها، ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها، فلذلك كان ماؤها شفاء للعين، قاله في "الفتح" (٣).

(مِنَ الْمَنِّ) قيل: في المراد بالمنّ ثلاثة أقوال:

[أحدها]: أن المراد أنها من المنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل، وهو الطَّلّ الذي يسقط على الشجر، فيُجمَع، ويؤكل حلوًا، ومنه الترنجبين، فكأنه


(١) قال في "لسان العرب" ٤/ ١٢١: الجدريّ هو الحَبّ الذي يظهر في جسد الصبي؛ شبّهوها به؛ لظهورها من بطن الأرض كما يظهر الجدريّ من باطن الجلد، وأراد به ذمها. انتهى.
(٢) "السَّعْتَرْ": نبت معروف. اهـ. "ق".
(٣) "الفتح" ١٣/ ١٠٣ - ١٠٤، كتاب "الطبّ" (٥٧٠٨).