للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شبَّه به الكمأة بجامع ما بينهما من وجود كل منهما عفوًا بغير علاج.

[والثاني]: أن المعنى أنها من المن الذي امتنّ الله به على عباده عفوًا بغير علاج، قاله أبو عبيد، وجماعة، وقال الخطابيّ: ليس المراد أنها نوع من المنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل، فإن الذي أُنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبين الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلّف ببذر، ولا سقي، فهو من قبيل المنّ الذي كان ينزل على بني إسرائيل، فيقع على الشجر، فيتناولونه، ثم أشار إلى أنه يَحْتَمِل أن يكون الذي أُنزل على بني إسرائيل كان أنواعًا منها ما يسقط على الشجر، ومنها ما يخرج من الأرض، فتكون الكمأة منه، وهذا هو:

[القول الثالث]: وبه جزم الموفّق عبد اللطيف البغداديّ، ومن تبعه، فقالوا: إن المنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل ليس هو ما يسقط على الشجر فقط، بل كان أنواعًا من الله عليهم بها من النبات الذي يوجد عفوًا، ومن الطير التي تسقط عليهم بغير اصطياد، ومن الطلّ الذي يسقط على الشجر.

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن هذا القول الثالث هو الأظهر في معنى الحديث، الموافق لظاهره، فيكون المراد بالمنّ في الحديث هو المنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل، ولا مانع من هذا الظاهر، فيتعيّن المصير إليه، وعدم التكلّف بالتأويل الذي قاله أهل القولين الآخرين، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

قال: و"المنّ": مصدر بمعنى المفعول؛ أي: ممنون به، فلمّا لم يكن للعبد فيه شائبة كسب، كان مَنًّا محضًا، وإن كانت جميع نِعَم الله تعالى على عبيده منًّا منه عليهم، لكن خُصّ هذا باسم المنّ؛ لكونه لا صُنع فيه لأحد، فجعل سبحانه وتعالى قُوْتَهم في التيه الكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وأُدْمهم السلوى، وهي تقوم مقام اللحم، وحلواهم الطلّ الذي ينزل على الشجر، فكمل بذلك عيشهم، ويشير إلى ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من المنّ"، فأشار إلى أنها فرد من أفراده، فالترنجبين كذلك فرد من أفراد المنّ، وإن غلب استعمال المنّ عليه عرفًا. انتهى.

قال الحافظ: ولا يعكر على هذا قولهم: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}