للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي: سائرها، وقد حُكي أيضًا عن الأصمعيّ، وحُكي عن ابن الأعرابيّ أن الذي لم يَسْوَدَّ هو الكَبَاث، والأسود هو الْبَرِير، وجماعه الْمُرْد، وعن مصعب أن المرد هو إذا ورَّد؛ فإذا اخْضَرّ فهو الْكَبَاث، فإذا اسودّ، فهو الْبَرِير. انتهى (١).

(فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ") زاد البخاريّ في روايته: "فإنه أيطب"، وهو لغة في أطيب، مقلوب منه، كما قالوا في جذب: جبذ (٢).

(قَالَ) جابر -رضي الله عنه- (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ رَعَيْتَ الْغَنَمَ؟)، وفي رواية البخاريّ: "فقيل: أكنت ترعى الغنم؟ "، قال في "الفتح": في السؤال اختصار، والتقدير: أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث؟ لأن راعي الغنم يَكثُر تردده تحت الأشجار، لطلب المرعى منها، والاستظلال تحتها.

(قَالَ: "نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ)؛ أي: وما من نبيّ (إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا؟ ") قال القرطبيّ رحمه الله: فيه أن الله تعالى درَّب الأنبياء عليهم السلام على رعاية الغنم، وسياستها؛ ليكون ذلك تدريجًا إلى سياسة الأمم؛ إذ الراعي يقصد مصلحة الغنم، ويحملها على مراشدها، ويقوم بكُلَفها وسياستها، ومَن تدرَّب على هذا، وأحكمه كان متمكنًا من سياسة الخلق، ورحمتهم، والرفق بهم، وكانت الغنم بهذا أولى لِمَا خُصّ به أهلها من السكينة، وطلب العافية، والتواضع، وهي صفات الأنبياء عليهم السلام، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل"، متّفقٌ عليه. انتهى (٣).

وقال في "العمدة": والحكمة فيه أن يأخذ الأنبياء عليهم السلام لأنفسهم بالتواضع، وتصفية قلوبهم بالخلوة، ويترقّوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالشفقة عليهم، وهدايتهم إلى الصلاح.

ونقل ابن التين عن الداوديّ أن الحكمة في اختصاص الغنم بذلك لكونها لا تُركَب، فلا تزهو نفسُ راكبها. انتهى" (٤).


(١) "المفهم" ٥/ ٣٢٤ - ٣٢٥.
(٢) "الفتح" ١٢/ ٣٨٠، كتاب "الأطعمة" رقم (٥٤٥٣).
(٣) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٢٥.
(٤) "عمدة القاري" ٢١/ ٧٥.