للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآتية: "قال: كنت جالسًا في داري، فمرّ بي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليّ، فقمت إليه، فأخذ بيدي، فانطلقنا حتى أتى حُجَر بعض نسائه. . .".

وقوله: (فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ. . . إلخ) ببناء الفعل للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى المفهوم من المقام؛ أي: المخرِج، وهو الخادم، وهذا مذهب البصريّين، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ … فَهْوَ وإِلَّا فَضَمِيرٌ اسْتَتَرْ

ويَحْتَمِل أن يكون مِنْ حَذْف الفاعل، على مذهب الكوفيين، ويكون التقدير: فأخرج الخادم، أو نحو ذلك.

قال النوويّ: قوله: "فأخْرَج إليه … إلخ" هكذا هو في الأصول: "فأَخْرَج إليه فِلَقًا"، وهو صحيح، ومعناه "أخرج الخادم" ونحوه. انتهى (١).

وذكر بعضهم احتمال أن يكون الفاعل ضمير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وضمير "إليه" لجابر، على سبيل الالتفات من التكلّم إلى الغيبة؛ أي: فأخرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلي فلقًا من خبز (٢).

وقوله: (فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ) بكسر الفاء، وفتح اللام: جمع فِلْقة بكسر، فسكون؛ كالكِسْرة وزنًا ومعنًى، يقال: هذا فِلْقته؛ أي: كِسْرته.

وقوله: ("مَا مِنْ أُدُمٍ؟ " أي: أما عندكم شيء من أُدُم؟، فـ "ما" نافية، وهمزة الاستفهام مقدّرة، و"من" زائدة للتوكيد، كما قال في "الخلاصة":

وَزِيدَ فِي نَفْي وَشِبْهِهِ فَجَرّ … نَكِرَةً كَـ "مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرّ"

وقوله: (فَقَالُوا: لَا، إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ)؛ أي: ليس عندنا أُدُم إلا شيء قليل من خلّ، وهذا دليل أنهم لا يعتدّون الخلّ من الأُدُم المعتَبرة التي تُقرَّب للضيف، فتبيّن بهذا أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْم الأُدُم الخلّ" ليس مدحًا للخلّ على الإطلاق، وإنما هو مدح له في نفس الوقت، ورفعٌ لشأنه عند الضيف حتى لا ينقبض منه، وجبرٌ للمضيف حيث لا ينكسر قلبه بتقديمه غير اللائق بالضيافة، فتأمّله بالإمعان، ويؤيّد هذا قول جابر -رضي الله عنه-: "فما زلت أحبّ الخلّ. . . إلخ"،


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٧ - ٨.
(٢) راجع: "شرح الشيخ الهرريّ" ٢١/ ٢٥٠.