فإنه ظاهر في كونه لا يُحبّ الخلّ قبل ذلك؛ لكونه مرغوبًا عنه عندهم، فلما سمع مقالة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعجبه، وأحبّه لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والله تعالى أعلم.
قال النوويّ: وأما قول جابر -رضي الله عنه-: "فما زلت أحبّ الخلّ منذ سمعتها من نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-"، فهو كقول أنس -رضي الله عنه-: "ما زلت أحبّ الدباء"، وقد سبق بيانه، وهذا مما يؤيّد ما قلناه: إنه مدح للخلّ نفسه، وقد ذكرنا مرّات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعيَّن المصير إليه، والعمل به عند جماهير العلماء، من الفقهاء، والأصوليين، وهذا كذلك، بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ، فيتعيّن اعتماده، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت أن الظاهر أن الحديث ليس مدحًا للخلّ لذاته، وإنما هو مدحٌ له بحسب الوقت.
والحاصل أن ما تقدّم عن الخطّابيّ، وغيره من أن مَدْحه -صلى الله عليه وسلم- ليس للخلّ
نفسه، هو الأظهر، وليس في قول جابر ما يؤيّد ما قاله النوويّ، بل هو بالعكس؛ إذ مفهومه أن جابرًا كان لا يحبّ الخلّ قبل ذلك، وإنما أحبّه بعد مقالة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه، مع أن الخلّ موجود بكثرة عندهم قبل ذلك، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال: