للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على الظنّ، وأنها هي اللاغية، وهو قول مالك، والجمهور. انتهى (١).

وقال في "الفتح" قوله: "لأراه" وَقَعَ في روايتنا من طريق أبي ذرّ وغيره بضم الهمزة هنا، وفي "الزكاة"، وكذا هو في رواية الإسماعيلي وغيره (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: هو بفتح الهمزة، أي: لأعلمه، ولا يجوز ضمها، فيصيرَ بمعنى أظنه؛ لأنه قال بعد ذلك: "غَلَبِني ما أعلم منه"، ولأنه راجع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرّات، ولو لم يكن جازمًا باعتقاده لَمَا كرّر المراجعة. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في قول النووي هذا نظر لا يخفى، أما استدلاله على تعيّن الفتح بقوله: "لأعلمه"، فالجواب عنه أنه لا دلالة فيه عليه؛ لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب، ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠].

سَلَّمنا، لكن لا يلزم من إطلاق العلم أن لا تكون مقدماته ظنيةً، فيكون نظريًّا، لا يقينيًّا، وهو الممكن هنا.

وأما استدلاله عليه بتكرار مراجعته، فلا مانع أيضًا من أن يكرّر ذلك؛ بناءً على ما غلب على ظنّه (٣).

والحاصل أن ضمّ الهمزة هنا متعيّنٌ؛ لثبوت الرواية به، كما نصّ عليه القرطبيّ في كلامه السابق، وسبق في كلام الحافظ بالنسبة للبخاريّ أيضًا، وأما الفتح، فإن ثبتت الروايةُ به، فوجهه واضح، وإلا فما صحّت به الرواية هو المتّبَعُ، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمًا") "أَوْ" هنا للإضراب، بمعنى "بل"، قال القرطبي - رحمه الله -: الرواية بسكون الواو، وقد غَلِطَ مَن فَتَحها، وأحال المعنى؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُرِد استفهامه، وإنما أشار له إلى القسم الآخر المختصّ بالظاهر الذي يُمكن أن يُدرَكَ، فجاء بـ "أو" التي للتقسيم والتنويع. انتهى (٤).


(١) "المفهم" ١/ ٣٦٧.
(٢) "الفتح" ١/ ١٠٠ - ١٠١.
(٣) هكذا تعفب الحافظ على النوويّ ببعض ما ذكرته، وللعينيّ كعادته اعتراضٌ عليه، لا جدوى فيه لمن تأمله، فعليك بالإنصاف، ودع اللجاج والاعتساف.
(٤) "المفهم" ١/ ٣٦٦.