للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والوجه الثاني: أن يكون من باب التجريد، وهو أن يُجرِّد من نفسه شخصًا، ويُخبِر عنه، وذلك أن القياس في قوله: "وسعد جالسٌ" أن يقول: وأنا جالسٌ، ولكنه جرّد من نفسه ذلك، وأخبر عنه بقوله: "وسعد جالسٌ"، وهو من مُحسّنات الكلام، من الضروب المعنويّة الراجعة إلى وظيفة البلاغة. انتهى (١).

(قَالَ سَعْدٌ) أي: ابن أبي وقّاص - رضي الله عنه - (فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ) أي: أولئك الرهط (مَنْ لَمْ يُعْطِهِ) "من" اسم موصول مفعول "ترك" (وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ) فيه التفاتٌ، إذ الظاهر أن يقول: إليه؛ لقوله: "وسعدٌ جالسٌ"، ولم يقل: وأنا جالسٌ، وهو التفاتٌ من الغيبة إلى التكلّم.

وفي رواية صالح بن كيسان الآتية بعده: "أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا، وأنا جالسٌ فيهم"، فساقه بلا تجريد، ولا التفات، وزاد فيه: "فقمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فساررته … "، وهذه الزيادة عند البخاريّ أيضًا في "كتاب الزكاة"، وغَفَلَ بعضهم، فعزاها إلى مسلم فقط، والرجل المتروك اسمه جُعَيل بن سُرَاقة الضَّمْريّ، سمَّاه الواقديّ في "المغازي"، قاله في "الفتح" (٢).

(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟) أَيْ: أَيُّ سبب لعُدُولك عنه إلى غيره؟، قال العينيّ - رحمه الله -: كلمة "ما" للاستفهام، واللام تتعلّق بمحذوف، وكذلك كلمة "عن"، وهو "حَصَلَ" في اللام، و"أعرضتَ"، ونحوه في "عن". انتهى (٣).

ولفظ "فلان" كناية عن اسم أُبْهِم بعد أن ذُكِرَ (فَوَ اللهِ) فيه القسم في الإخبار على سبيل التأكيد (إِنِّي لَأُرَاهُ مُؤْمِنًا) قال القرطبيّ - رحمه الله -: الرواية بضمّ همزة "أُراه"، بمعنى أظنّه.

وهو مِن حلف سعد على ما ظنّه، فكانت هذه اليمين لاغيةً، ولذلك لم يُنكرها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا أمره بكفّارة عنها، فكان فيه دليلٌ على جواز الحَلِف


(١) "عمدة القاري" ١/ ٣٠٩.
(٢) "الفتح" ١/ ١٠٠ "كتاب الإيمان" رقم (٢٧)
(٣) "عمدة القاري" ١/ ٣٠٧.