للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكريهة، قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا يدلّ على كراهة أكل الثوم، وإن كان مطبوخًا، وقد تقدم قول عمر -رضي الله عنه-: "فمن أَكَلهما فَلْيُمِتْهُما طبخًا"، وإنما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يكرههما مطلقًا؛ لخصوصيته بمناجاة الملائكة، ولذلك قال في بعض الحديث: "كُلْ، فإني أناجي من لا تناجي"، متّفقٌ عليه. انتهى (١).

(قَالَ) أبو أيوب (فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ)؛ لأن مِن صِدْق المحبّة أن يُحب المرء ما يُحبّه محبوبه، ويكره ما يكرهه، وقوله: (أَوْ) للشكّ من الراوي، هل قال: ما تكره بصيغة المضارع، أو قال: (مَا كَرِهْتَ) بصيغة الماضي؟ (قَالَ) الراوي أبو أيوب أو غيره (وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُؤْتَى) بالبناء للمفعول، وهذا بيان لسبب كراهة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أَكْل الطعام الذي فيه الثوم، وذلك لأنه يأتيه المَلَك، والثوم له رائحة كريهة، والملائكة تتأذّى منها.

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: (وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُؤْتَى) معناه: تأتيه الملائكة، والوحيُ، كما جاء في الحديث الآخر: "إني أناجي من لا تناجي"، و"إن الملائكة تتأذى مما يتاذى منه بنو آدم"، وكان -صلى الله عليه وسلم- يترك الثوم دائمًا؛ لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كلَّ ساعة.

قال: واختَلَف أصحابنا في حكم الثوم في حقه -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك البصل، والْكُرّاث، ونحوها، فقال بعض أصحابنا: هي محرّمة عليه، والأصح عندهم أنها مكروهة كراهة تنزيه، ليست محرّمة لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا" في جواب قوله: "أحرام هو؟ " ومن قال بالأول يقول: معنى الحديث: ليس بحرام في حقكم، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وقوله: "كان يؤتى" قد فسَّره الراوي بقوله: يعني: يأتيه الوحي، ومعناه: يؤتى بالوحي؛ أي: يجاء إليه به، والوحي: ما يبلّغه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الله تعالى مما يبلّغه جبريل -عليه السلام-. انتهى (٣).


(١) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٢٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٩.
(٣) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٢٩.