للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "فليس أحدٌ منهم يقبلنا"؛ أي: يُطعمنا، وظاهر حالهم: أن ذلك الامتناع ممن تعرضوا له إنَّما كان لأنهم ما وجدوا شيئًا يُطعمونهم إيَّاه، كما اتَّفَق للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيث طلب من جميع بيوت نسائه، فلم يجد عندهم شيئًا؛ فإنَّ الوقت كان شديدًا عليهم. انتهى (١).

(فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَانْطَلَقَ)؛ أي: ذهب (بِنَا إِلَى أَهْلِهِ، فَإذَا ثَلَاثةُ أَعْنُزٍ) "إذا" هنا هي الفُجائيّة؛ أي: ففاجأنا وجود ثلاثة أعنز، وهي بفتح الهمزة، وضمّ النون: جمع عَنْز، بفتح، فسكون: هي الأنثى من المعز إذا أتى عليها حول، وقال الجوهريّ: والعنز: الأنثى من الظباء، والأوعال، وهي الماعز (٢). (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ)؛ أي: لبن هؤلاء الأعنز الثلاثة، وقوله: (بَيْنَنَا" أي: واقسموه بيننا. (قَالَ) المقداد (فَكُنَّا نَحْتَلِبُ، فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ)؛ أي: حظّه من ذلك اللبن، (وَنَرْفَعُ) بالبناء للفاعل، وفي بعض النسخ: "ويُرْفَع" بالبناء للمفعول، (لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَصِيبَهُ)؛ أي: حظّه من ذلك اللبن. (قَالَ) المقداد (فَيَجِيءُ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (مِنَ اللَّيْلِ)؛ أي: في الليل، فـ "من" بمعنى "في"، ويَحْتَمِل أن تكون للتبعيض؛ أي: في بعض الليل، (فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا) فيه مشروعيّة السلام على الجماعة، وإن كان بعضهم نائمًا، (لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ) بضمّ حرف المضارعة، من الإسماع، وفيه بيان آداب السلام، وهو أنه لا يرفع صوته إذا هناك نائم؛ لئلا يقطع عليه نومه، ولا يَخفضه بحيث لا يُسمع؛ ليردّ عليه اليقظان. (قَالَ) المقداد (ثُمَّ يَأْتِي) -صلى الله عليه وسلم- (الْمَسْجِدَ)؛ أي: المكان الذي اتّخذه للصلاة فيه، (فَيُصَلِّي) تحيّة المسجد، أو أعمّ من ذلك، (ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ، فَيَشْرَبُ) فيه أنه يبدأ بتحيّة المسجد قبل أن يجلس للشراب والطعام. (فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ)؛ أي: ليلةً من الليالي، وقوله: (وَقَدْ شَرِبْثُ نَصِيبِي) جملة حاليّة من المفعول، (فَقَالَ) الشيطان: (مُحَمَّدٌ) -صلى الله عليه وسلم- (يَأْتِي الأَنْصَارَ)؛ أي: بيوت الأنصار -رضي الله عنهم-، (فَيُتْحِفُونَهُ) بضمّ حرف المضارعة، من الإتحاف؛ أي: يكرمونه بالهدايا والعطايا، قال المجد رحمه الله:


(١) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٣٢.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٣٢.