للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأول: أني تنبّهت بعد الشُّرب أنه لم يكن لي سبيل في جواز شرب نصيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثاني: أنه لا سبيل الآن إلى إعادة ما شربته إلى محلّه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يَخفى ما في الاحتمال الأول من البُعد، فالاحتمال الثاني، هو الأقرب، والأظهر، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) المقداد (نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ) بتشديد الدال المهملة؛ أي: حملني على الندم، وقوله: (فَقَالَ. . . إلخ) بيان لكيفيّة تنديمه. (فَقَالَ) الشيطان (وَيْحَكَ) تقدّم أنها كلمة ترحّم، لكنها هنا بمعنى ويلك، وهي كلمة عذاب. (مَا صنَعْتَ؟) "ما" استفهاميّة، مفعول مقدَّم لـ "صنعت"؛ أي: أي شيء صنعت؟ وهو استفهام إنكار، وتوبيخ. (أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ؟) -صلى الله عليه وسلم- (فَيَجِيءُ) -صلى الله عليه وسلم- إلى شرابه (فَلَا يَجِدُهُ) حيث شربته أنت، (فَيَدْعُو عَلَيْكَ) بالهلاك (فَتَهْلِكُ، فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ)؛ أي: تخسر في الدنيا والآخرة. (وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ) بفتح الشين المعجمة، وإسكان الميم: كِساء صغير يُشتَمَل به؛ أي: يُلتَحَف به على كيفيّة مخصوصة، قد ذكرناها في "كتاب الصلاة" (٢).

وقال الفيّوميّ: الشَّمْلة: كساء صغير يُؤتَزَر به، والجمع: شَمَلاتٌ، مثلُ سَجْدةٍ وسَجَداتٍ، وشِمَالٌ أيضًا، مثلُ كَلْبة وكلاب. انتهى (٣).

(إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ) يَحْتَمِل أن يكون بالتثنية، فالياء مشدّدة، ويَحْتَمِل الإفراد، فالميم مخفّفة، والأول هو الأَولى بدليل قوله الآتي: "قدماي". (خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ)؛ أي: لاشتداد كَرْبه بسبب ما صنعه مِن شُرب نصيب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو لأجل البرد حيث فقد لباسًا يعمّ جسده، والأول أظهر، كما يقتضيه السياق. (وَأمَّا صاحِبَايَ، فَنَامَا) لعدم ما يمنعهما من النوم؛ إذ لم يفعلا ما فعل المقداد، كما أشار إليه بقوله: (وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ، قَالَ) المقداد (فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ


(١) "تكملة فتح الملهم" ٤/ ٦٩.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٣٣.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٣٢٣.