للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قيّدناه مبنيًا لِمَا لم يُسَمّ فاعله، وقد وجدناه في بعض النسخ: "أَلْقَيتُ" مبنيًا للفاعل؛ أي: أَلْقَيت نفسي إلى الأرض من شدَّة الضحك، ولما رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منه ذلك كَرِه ذلك، وقال له: "إحدى سوآتك يا مقداد"؛ أي: هذه الحالة حالة سيئة من جملة حالاتك التي تسوء، منكِرًا لذلك؛ لأن كثرة الضحك يميت القلب، كما قاله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذرّ -رضي الله عنه- (١)، فلما أخبره المقداد بما جرى له، وبما أجاب الله من دعوته قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذه إلا رحمة من الله"، معترفًا بفضل الله تعالى، وشاكرًا لنعمته، ومقرًّا بمنّته، فله الحمد أوّلًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا. انتهى (٢).

قال النوويّ رحمه الله: قوله: "فلما عَلِمتُ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد رَوِي" إلى قوله:


(١) أشار به إلى ما أخرجه ابن حبّان في "صحيحه" وغيره عن أبي ذرّ -رضي الله عنه-، وهو حديث طويل، مشتمل على وصايا كثيرة، وكثير منها ضعيف، وبعضه صحيح، ومنه قوله: "إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، وَيذهب بنور الوجه"، قاله الشيخ الألبانيّ رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب".
وأخرج الترمذيّ رحمه الله في "جامعه" ٤/ ٥٥١، عن الحسن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهنّ، أو يعلِّم من يعمل بهنّ؟ "، فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي، فعَدّ خمسًا، وقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تُكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب".
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئًا، هكذا رُوي عن أيوب، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد، قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، ورَوَى أبو عبيدة الناجيّ، عن الحسن، هذا الحديث قولَهُ، ولم يذكر فيه: "عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-". انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: سماع الحسن البصريّ من أبي هريرة -رضي الله عنه- مختلفٌ فيه، والصحيح أنه سمع منه، كما حقّقته في "شرح النسائيّ"، وهذا الحديث صححه الشيخ الألبانيّ رحمه الله في "الصحيحة" ٢/ ٣٢، وغيرها.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣٣٤ - ٣٣٥.