للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إحدى سوآتك يا مقداد": معناه أنه كان عنده حُزْن شديدٌ خوفًا من أن يدعو عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونه أذهبَ نصيب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتَعَرّض لأذاه، فلما عَلِمَ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد رَوِيَ، وأُجيبت دعوته، فَرِح، وضَحِك، حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه؛ لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه سُرورًا بشرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإجابة دعوته لمن أطعمه، وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد، وظهور هذه المعجزة، ولتعجّبه من قُبح فِعله أوّلًا، وحُسْنِه آخرًا، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إحدى سوآتك يا مقداد أي: إنك فعلتَ سَوءةً من الفعلات، ما هي؟ فأخبره خَبَره، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذه إلا رحمة من الله تعالى أي: إحداث هذا اللبن في غير وقته، وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله تعالى. انتهى (١).

(قَالَ) المقدادل -رضي الله عنه- (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِحْدَى سَوْآتِكَ) خبر لمحذوف؛ أي: هذه الحالة، وهي حالة كثرة الضحك إحدى حالاتك التي تسوء، وتعيب لك (يَا مِقْدَادُ") قال القاضي عياض رحمه الله في "المشارق": قوله: "إحدى سوآتك يا مقداد" كذا لأكثر شيوخنا، وعند ابن الحذاء، والهوزنيّ من طريق ابن ماهان: "أخبرني" مكان "إحدى"، وعند ابن الحذاء "شرابك" مكان "سوآتك"، والصواب الأول؛ أي: إن ضحكك، وما صنعتَ من أحد أفعالك السيئة، وجاء في بعض النسخ: "ما شأنك يا مقداد؟ ". انتهى (٢).

(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلْتُ كَذَا)؛ أي: من شُرب نصيبه -صلى الله عليه وسلم- بتسويل الشيطان له، (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا هَذِهِ)؛ أي: الخصلة التي حصلت في هذه الليلة من شُرب اللبن الذي نزل من الأعنز اللاتي حُلبن، وجفّ ضرعهنّ، (إِلَّا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ) سبحانه وتعالى.

وحاصل ما أشار إليه في قوله: "ضحكت حتى سقطت إلى الأرض" إلى قوله: هذه رحمة من الله" أن ضحكه -رضي الله عنه- كان من كمال سروره، وزوال حزنه؛ لأنه لَمّا شَرِب نصيبه -صلى الله عليه وسلم- خاف أشدّ الخوف من أن يدعو عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولَمّا قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أطعم من أطعمني. . . إلخ"، وعَلِم أن دعاءه -صلى الله عليه وسلم- مستجابٌ،


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥.
(٢) "مشارق الأنوار" ١/ ٢٠.