زال حزنه، وخوفه، وسُرّ أشدّ سرور، ولهذا ضحك إلى أن سقط على الأرض ثم عمد إلى الأعنز، فوجدها حُفّلًا، فحلب منها، فجاء به إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فشرب منه، وأصاب حاجته، ولما أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالقصّة، قال:"ما هذه إلا رحمة من الله تعالى"، فله الحمد، والمنّة، وله النعمة والقضل، وله الثناء الحسن.
أ- وقعت لك هذه النعمة الجسيمة، والمنّة العظيمة من درور اللبن من الأعنز الهزال (أفَلَا كُنْتَ آذَنتَنِي) بالمدّ؛ أي: أعلَمْتَني بها (فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا) بنصب "يوقظ" بعد الفاء السببيّة، كما قال في "الخلاصة":
(فَيُصِيبَانِ مِنْهَا") برفع "يصيبان" على تقدير مبتدأ؛ أي: فهما يصيبان من هذه النعمة التي هي رحمة من الله. (قَالَ) المقداد (فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُبَالِي)؛ أي: لا أكترث (إِذَا أَصَبْتَهَا)؛ أي: شربتها أنت، (وَأصَبْتُهَا)؛ أي: شربتُها (مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا)؛ أي: شَرِبها (مِنَ النَّاسِ) والمعنى: إذا شربَتها أنت، وشربتُها معك، فلا أبالي، ولا أكترث بالناس، فلا يسرّني من شربها، ولا يحزنني من لم يشربها، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢٠/ ٥٣٥١ و ٥٣٥٢](٢٠٥٥)، و (الترمذيّ) في "الاستئذان" (٢٧١٩)، و (أحمد) في "مسنده" (٦/ ٢ و ٣ و ٤)، و (البخاريّ) في "الأدب المفرد" (١٠٠٨)، و (النسائيّ) في "عمل اليوم والليلة" (٣٢٣)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (٥/ ٢٠٣)، و (البزّار) في "مسنده" (٦/ ٤٢)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (٣/ ٨٧)، و (أبو نعيم) في "الحلية" (١/ ١٧٤)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من كريم الأخلاق، والجود حيث انطلق بالمقداد وصاحبيه إلى بيته؛ ليزيل ما حلّ بهم من الجهد والجوع.