للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن الله أكرم أبا بكر - رضي الله عنه -، فأزال ما حصل له من الحرج، فعاد مسرورًا، وانفكّ الشيطان مدحورًا، واستعمل الصدّيق مكارم الأخلاق، فحَنَّث نفسه زيادةً في إكرام ضِيفانه؛ ليحصل مقصوده من أكلهم، ولكونه أكثر قدرةً منهم على الكفّارة. انتهى (١).

(ثُمَّ أَكَلَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (مِنْهَا)؛ أي: من تلك الجفنة، (لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَصْبَحَتْ) الجفنة (عِنْدَهُ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَالَ) عبد الرَّحمن (وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا هو في معظم النسخ: "فَعَرَّفنا" بالعين، وتشديد الراء؛ أي: جعلنا عُرفاء، وفي كثير من النسخ: "ففرقنا" بالفاء المكرّرة في أوله، وبقاف، من التفريق؛ أي: جُعِل كلّ رجل من الاثني عشر مع فرقة، فهما صحيحان، ولم يذكر القاضي هنا غير الأول.

وقوله: (فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلَا) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا هو في معظم النسخ، وفي نادر منها: "اثني عشر"، وكلاهما صحيح، والأول جارٍ على لغة مَن جَعَل المثنى بالألف في الرفع، والنصب، والجرّ، وهي لغة أربع قبائل من العرب، ومنها قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: ٦٣]، وغير ذلك، وقد سبقت المسألة مرات. انتهى (٢).

(مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ؟ إِلَّا أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ)، يعني: أنه تحقّق أنه جعل عليهم اثنا عشر عَرِيفًا، لكنه لا يدري كم كان تحت يد كلّ عريف منهم، لأنَّ ذلك يَحْتَمِل الكثرة والقلة، غير أنه يتحقق أنه بعث معهم أي مع كلّ ناس عَريفًا، (فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَو كَمَا قَالَ) هو شكّ من أبي عثمان في لفظ عبد الرَّحمن، وأما المعنى: فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنَّ الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها، وأما انتهاؤها إلى أن تكفي


(١) "الفتح" ٨/ ٢٥٢ - ٢٥٣ - ٢٥٤، كتاب "المناقب" رقم (٣٥٨١).
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢٠.