للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالثاء المثلّثة، وضَبَطه بعضهم بالباء الموحّدة، (مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مِرَارٍ، قَالَ) عبد الرَّحمن (فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَان، يَعْنِي يَمِينَهُ)؛ أي: حَلِفَه على عدم الأكل من ذلك الطعام بسبب غضبه على أهل بيته، وثم على الأضياف.

والمعنى: إنما كان الشيطان هو الحاملَ على ذلك، يعني الحامل على يمينه التي حلفها في قوله: "والله لا أطعمه".

قال في "الفتح": وظاهر هذا السياق مخالف لرواية الجريريّ الآتية، فقال عياض: في هذا السياق خطأ، وتقديم، وتأخير، ثم ذكر ما حاصله: أن الصواب ما في رواية الجريريّ، وهو أن رواية سليمان التيميّ هذه تقتضي أن سبب أكل أبي بكر من الطعام ما رآه من البركة فيه، فرغب في الأكل منه، وأعرض عن يمينه التي حلف، لِمَا رَجَح عنده من التناول من البركة، ورواية الجريريّ تقتضي أن سبب أَكْله من الطعام لَجاج الأضياف، وحَلِفهم بأنهم لا يَطعمون من الطعام، حتى يأكل أبو بكر، ولا شك في كونها أوجه، لكن يمكن ردّ رواية سليمان التيميّ إليها بأن يكون قوله: "فأكل منها أبو بكر" معطوفًا على قوله: "والله لا أطعمه"، لا على القصة التي دلّت على بركة الطعام، وغايته أن حَلِف الأضياف أن لا يَطعموه لَمْ يقع في رواية سليمان، والله أعلم.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان، لا من أبيه، فقد وقع في "كتاب الأدب" عند البخاريّ من رواية ابن أبي عديّ، عن سليمان التيميّ: "فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه، فقال أبو بكر: كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام، فأكل، وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون اللقمة إلَّا رَبَا من أسفلها".

ويَحْتَمِل أن يُجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئًا، ثم لَمّا رأى البركة الظاهرة عاد، فأكل منها؛ لتحصل له، وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف: "إنما كان ذلك من الشيطان".

قال الجامع عفا الله عنه: ما أحسن هذا الاحتمال، وأليقه بالمقام، وأما الاحتمال الأول الذي أدّى إلى دعوى التقديم والتأخير ونحو ذلك، فلا يخفى بُعده، فتأمله بالإمعان، والله تعالى وليّ التوفيق.