وقوله:(وَلَمْ تَبْلُغْنِي كَفَّارَةٌ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يعني: لَمْ يبلغني أنه كفَّر قبل الحنث، فأما وجوب الكفّارة فلا خلاف فيه؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه"، وهذا نصّ في عين المسألة، مع عموم قوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية [المائدة: ٨٩]، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال في "الفتح": ووقع في رواية الجريريّ عند مسلم: "فقال أبو بكر: يا رسول الله بَرُّوا، وحَنِثت، فقال: بل أنت أبرّهم، وأخيرهم، قال: ولم يبلغني كفّارة"، وسقط ذلك من رواية الجريريّ عند المصنّف - يعني: البخاريّ - وكأن سبب حذفه لهذه الزيادة أن فيها إدراجًا بيّنته رواية أبي داود، حيث جاء فيها:"فأُخبرت - بضم الهمزة - أنه أصبح، فغدا على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - … إلخ".
وقوله:"أبرّهم"؛ أي: أكثرهم بِرًّا؛ أي: طاعةً.
وقوله:"وأخيرهم"؛ أي: لأنك حَنِثت في يمينك حنثًا مندوبًا إليه مطلوبًا، فأنت أفضل منهم بهذا الاعتبار.
وقوله:"ولم تبلغني كفارة" استُدِلّ به على أنَّه لا تجب الكفّارة في يمين اللجاج والغضب، ولا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم من عدم الذِّكر عدم الوجود فلمن أثبت الكفّارة أن يتمسَّك بعموم قوله:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية [المائدة: ٨٩]، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفّارة في الإيمان، لكن يعكُر عليه ما ثبت من حديث عائشة أن أبا بكر لَمْ يكن يحنث في يمين حتى نزلت الكفّارة.
وقال النوويّ: قوله: "ولم تبلغني كفارة"؛ يعني: أنه لَمْ يكفِّر قبل الحنث، فأما وجوب الكفّارة فلا خلاف فيه، كذا قال، وقال غيره: يَحْتَمِل أن يكون أبو بكر لَمّا حلف أن لا يطعمه أضمر وقتًا معينًا، أو صفة مخصوصة؛ أي: لا أطعمه الآن، أو لا أطعمه معكم، أو عند الغضب، وهو مبني على أنَّ اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا؟ ولا يخفى ما فيه من التكلف.
وقول أبي بكر - رضي الله عنه -: "والله لا أطعمه أبدًا" يمين مؤكدةٌ، ولا تَحتمل أن