للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وشَرْطُ الناصرِ أن يكون عالمًا بكون الفعل ظلمًا، ويقع النصر مع وقوع الظلم، وهو حينئذ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنسانًا، من يد إنسان طالبه بمال ظلمًا، وهدّده إن لم يبذله، وقد يقع بَعْدُ، وهو كثير. قاله في "الفتح" (١).

وقد جاء الأمر بنصر الأخ ظالمًا، أو مظلومًا، وذلك فيما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" عن حميد، عن أنس - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا"، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: "تأخذ فوق يديه". وللإسماعيليّ من رواية معاذ، عن حميد: فقال: "يكُفّه عن الظلم، فذاك نصره إياه"، ولمسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - نحوه، وفيه: "إن كان ظالمًا، فليَنْهَه، فإنه له نُصرةٌ".

وقوله: "فقال: تأخذ فوق يديه" كَنَى به عن كفّه عن الظلم بالفعل، إن لم يكُفّ بالقول، وعبَّر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوّة، وفي رواية معاذ عن حميد عند الإسماعيليّ: "فقال: يَكُفّه عن الظلم، فذاك نَصْره إياه".

قال ابن بطال: النصر عند العرب: الإعانة، وتفسيره لنصر الظالم بمنعه من الظلم مِنْ تسمية الشيء بما يؤول إليه، وهو من وجيز البلاغة.

قال البيهقيّ: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه، فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسًّا ومعنى، فلو رأى إنسانًا يريد أن يَجُبّ نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طَلَبِه الزنا مثلًا مَنَعه من ذلك، وكان ذلك نصرًا له، واتَّحَد في هذه الصورة الظالم والمظلوم.

وقال ابن الْمُنَيِّر: فيه إشارة إلى أن الترك كالفعل في باب الضمان، وتحته فروع كثيرة، قاله في "الفتح" (٢).

(وَإِجَابَةِ الدَّاعِي)؛ أي: إجابة دعوة الداعي إذا دعا، وظاهره عموم وجوب الإجابة لكلّ دعوة، عُرْسًا كان أو غيره، وبه يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهو


(١) "الفتح" ٦/ ٢٦٤، كتاب "المظالم" رقم (٢٤٤٥).
(٢) "الفتح" ٦/ ٢٦٣، كتاب "المظالم" رقم (٢٤٤٣ - ٢٤٤٤).