[أحدهما]: أنه خَرَج مخرج العادة في الخطاب، فإن مَن أراد المدافعة عن إنسان، قال للمتكلم فيه: ما كنتَ قائلًا لفلان، أو فاعلًا معه من مكروه، فقله لي، وافعله معي، ومقصوده: لا تقل ذلك فيه.
[والثاني]: أن معناه أن هذا الذي تظنونه شكًّا أنا أولى به، فإنه ليس بشكّ، وإنما هو طلب لمزيد اليقين. وقيل غير هذا من الأقوال، فنقتصر على هذه؛ لكونها أصحها وأوضحها، والله أعلم.
وقال في "الفتح": اختلفوا في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحقّ بالشك"، فقال بعضهم: معناه نحن أشدُّ اشتياقًا إلى رؤية ذلك من إبراهيم.
وقيل: معناه إذا لم نَشُكّ نحن، فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي: لو كان الشكّ متطرقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحقّ به منهم، وقد علمتم أني لم أشُكّ، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعًا منه - صلى الله عليه وسلم -، أو مِنْ قَبْلِ أن يُعْلِمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه - عند مسلم أن رجلًا قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: يا خير البرية، قال:"ذاك إبراهيم". وقيل: إن سبب هذا الحديث أن الآية لَمّا نَزَلت قال بعض الناس: شكّ إبراهيم، ولم يشك نبيّنا، فبلغه ذلك، فقال:"نحن أحقّ بالشك من إبراهيم"، وأراد ما جَرَت به العادة في المخاطبة، لمن أراد أن يَدْفَع عن آخر شيئًا، قال: مهما أردت أن تقوله لفلان، فقله لي، ومقصوده: لا تقل ذلك.
وقيل: أراد بقوله: "نحن" أمته الذين يجوز عليهم الشك، وإخراجه هو منه بدلالة العصمة. وقيل: معناه: هذا الذي تَرَون أنه شكٌّ أنا أولى به؛ لأنه ليس بشكّ، إنما هو طلب لمزيد البيان.
وحَكَى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين، نحو قوله تعالى:{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} الآية [الدخان: ٣٧]، أي: لا خير في الفريقين، ونحوُ قول القائل: الشيطان خير من فلان، أي: لا خير فيهما، فعلى هذا، فمعنى قوله:"نحن أحق بالشك من إبراهيم": لا شكَّ عندنا جميعًا.
وقال ابن عطية: ترجم الطبري في تفسيره، فقال: وقال آخرون: شكّ إبراهيم في القدرة، وذكر أثر ابن عباس وعطاء، قال ابن عطية: ومَحْمِل قول