علم المعاينة، فإنه ضروريّ، وهذا مذهب الإمام أبي منصور الأزهريّ وغيره.
والثاني: أراد اختبار منزلته عند ربه في إجابة دعائه، وعلى هذا قالوا: معنى قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}[البقرة: ٢٦٠] أي: تُصَدِّق بعِظَم منزلتك عندي، واصطفائك وخُلَّتك.
والثالث: سأل زيادة يقين، وإن لم يكن الأول شكًّا، فسأل الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين، فإن بين العِلْمَين تفاوتًا، قال سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله -: سأل كشف غطاء العيان؛ ليزداد بنور اليقين تمكنًا.
الرابع: أنه لما احتَجَّ على المشركين بأن ربه - سبحانه وتعالى - يحيي ويميت، طلب ذلك منه - سبحانه وتعالى -؛ ليظهر دليله عيانًا. وقيل أقوال أُخَرُ كثيرة ليست بظاهرة.
قال الإمام أبو الحسن الواحديّ - رحمه الله -: اختلفوا في سبب سؤاله، فالأكثرون على أنه رأى جِيفَةً بساحل البحر، يتناولها السباع، والطير، ودوابُّ البحر، فتفكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يُحييه ربه، ولم يكن شاكًّا في إحياء الموتى، ولكن أحبّ رؤية ذلك، كما أن المؤمنين يحبُّون أن يروا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والجنة، ويحبون رؤية الله تعالى، مع الإيمان بكل ذلك، وزوال الشكوك عنه، ذكر ذلك كله النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح": واختلف السلف في المراد بالشك هنا، فحمله بعضهم على ظاهره، وقال: كان ذلك قبل النبوة، وحمله أيضًا الطبريّ على ظاهره، وجعل سببه حصول وسوسة الشيطان، لكنها لم تَسْتَقِرَّ، ولا زلزلت الإيمان الثابت.
واستند في ذلك إلى ما أخرجه هو، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والحاكم، من طريق عبد العزيز الماجشون، عن محمد بن المنكدر، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: أرجى آية في القرآن هذه الآية: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}[البقرة: ٢٦٠]، قال ابن عباس: هذا لِمَا يَعْرِض في الصدور، ويوسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم؛ بأن قال:{بَلَى}. ومن طريق معمر، عن قتادة، عن ابن عباس، نحوه، ومن طريق عليّ بن زيد،