للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في لبس الحرير للضرورة:

(اعلم): أنه قد اختلف السلف في لباسه، فمنعه مالك، وأبو حنيفة مطلقًا، وقال الشافعيّ، وأبو يوسف: بالجواز للضرورة، وحَكَى ابن حبيب، عن ابن الماجشون، أنه يستحب في الحرب، وقال المهلَّب: لباسه في الحرب؛ لإرهاب العدوّ، وهو مثل الرخصة في الاختيال في الحرب. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ترخيص النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن، والزبير - رضي الله عنهما - في لباس الحرير للحكّة، أو للقمل يدلّ على جواز ذلك للضرورة، وبه قال جماعة من أهل العلم، وبعض أصحاب مالك، وأما مالك: فمَنَعه في الوجهين، والحديث واضح الحجة عليه، إلا أن يدّعي الخصوصيّة بهما، ولا يصحّ، أو لعلّ الحديث لم يبلغه. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: هذا الحديث صريحٌ في الدلالة لمذهب الشافعيّ، وموافقيه أنه يجوز لُبس الحرير للرجل، إذا كانت به حكّة؛ لِمَا فيه من البرودة، وكذلك للقمل، وما في معنى ذلك. وقال مالك: لا يجوز، وهذا الحديث دليلٌ لجواز لبس الحرير عند الضرورة، كمن فاجأته الحرب، ولم يجد غيره. قال: والصحيح عند أصحابنا، والذي قطع به جماهيرهم أنه يجوز لبس الحرير للحكّة، ونحوها في السفر، والحضر جميعًا. وقال بعض أصحابنا: يختصّ بالسفر، وهو ضعيف. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الجمهور من جواز لبس الحرير للضرورة هو الحقّ؛ لقوّة دليله، ولعلّ الذين منعوا منه على الإطلاق لم يبلغهم حديث الباب، والله تعالى أعلم بالصواب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٥٤١٩] ( … ) - (وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثنَا سَعِيدٌ، بِهَذَا الإِسْنَاد، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي السَّفَرِ).


(١) "الْفَتْح" ٧/ ١٩٤، كتاب "الجهاد" رقم (٢٩١٩).
(٢) "المفهم" ٥/ ٣٩٨.
(٣) "شرح النووي" ١٤/ ٥٢ - ٥٣.