للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثياب، وجعل النهي متوجهًا إلى الثياب، ولم يلتفت إلى تلك الزيادة المصرِّحة بأنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة.

ويمكن الجمع بأن الصفرة التي كان يصبغ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير صفرة العصفر المنهيّ عنه، ويؤيد ذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصبغ بالزعفران".

وقد أجاب من لم يقل بالتحريم، عن حديث ابن عمرو المذكور في الباب، وحديثه الذي بعده، بأنه لا يلزم من نهيه له نهي سائر الأمة، وكذلك أجاب عن حديث عليّ الآتي بأن ظاهر قوله: "نهاني" أن ذلك مختصّ به، ولهذا ثبت في رواية عنه أنه قال: "ولا أقول: نهاكم".

وهذا الجواب ينبني على الخلاف المشهور بين أهل الأصول في حُكمه - صلى الله عليه وسلم - على الواحد من الأمة، هل يكون حكمًا على بقيتهم أو لا؟ والحقّ الأول، فيكون نهيه لعليّ وعبد الله - رضي الله عنهما - نهيًا لجميع الأمة.

ولا يعارضه صبغه بالصفرة، على تسليم أنها من العصفر؛ لِمَا تقرر في الأصول من أن فِعْله - صلى الله عليه وسلم - الخالي عن دليل التأسي الخاص، لا يعارض قوله الخاصّ بأمته (١)، فالراجح تحريم الثياب المعصفرة. والعصفرُ، وإن كان يصبغ صبغًا أحمر، كما قال ابن القيم، فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في "الصحيحين" من أنه كان يلبس حلة حمراء؛ لأن النهي في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة، وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر، وسيأتي ما حكاه الترمذي عن أهل الحديث بمعنى هذا. انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأرجح القول بتحريم لبس المعصفر على الرجال، كما يأتي في المسألة التالية، ولا يستلزم ذلك تحريم


(١) هذه القاعدة قد نبهت عليها كثيرًا، وهو أن الأرجح خلاف ما قاله الشوكانيّ - رحمه الله -، وهو أن فِعله - صلى الله عليه وسلم - كقوله، فيعامَل معاملته، إلا إذا كان خاصًّا به، ولا تثبت الخصوصيّة إلا بدليل خاصّ، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٢) "نيل الأوطار" ٢/ ١٨١ - ١٨٢.