المعاندة، فقوله:"من الآيات" إعرابه كإعراب "من الأنبياء"، فهو بيان مقدّم لـ "ما" من قوله: (مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ)"ما" موصولةٌ وقَعت مفعولًا ثانيًا لـ "أُعطِي"، والأول هو النائب عن الفاعل، وهو ضمير "نبيّ"، و"مثلُهُ" مبتدأ، و"آمن" خبره، و"المثلُ" يُطْلَق ويراد به عين الشيء، وما يساويه، والمعنى: أنّ كلَّ نبي أُعطِي آية أو أكثرَ، مِن شأن مَن يشاهدها من البشر أن يؤمن به؛ لأجلها، و"عليه" بمعنى اللام، أو الباءِ الموحدة، والنكتةُ بها تضمّنها معنى الغلبة؛ أي: يُؤمن بذلك مغلوبًا عليه، بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، لكن قد يَجْحَدُ فيعاند، كما قال الله تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} الآية [النمل: ١٤].
وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الراجعُ إلى الموصول ضمير المجرور في "عليه"، وهو حال، أي: مغلوبًا عليه في التحدِّي، والمراد بالآيات المعجزات، وموقع المثل مَوْقِعُهُ من قوله:{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}[يونس: ٣٨] أي: على صفته، من البيان، وعلوّ الطبقة في البلاغة.
[تنبيه]: وقع في رواية البخاريّ في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" من "صحيحه" قوله: "ما مثلُهُ أُومن، أو آمن عليه البشر"، فقال في "الفتح": "أو" شكّ من الراوي، فالأولى بضمّ الهمزة، وسكون الواو، وكسر الميم من الأمن، والثانية بالمدّ، وفتح الميم، من الإيمان، وحَكَى ابن قرقول أن في رواية القابسيّ:"أَمِن" بفتح الهمزة، وكسر الميم بغير مدّ، من الأمان، وصوّبها ابنُ التين، فلم يُصِب. انتهى (١).
(وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ) بحذف العائد، ومثله كثير في الاستعمال، كقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)} [المدثر: ١١]، وقوله:{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}[الفرقان: ٤١] وإلى هذا أشار ابن مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الخلاصة" حيث قال: